هذه من عندي! فتعجبت من كلامه وأشكل علي جدًّا، وسألته: من أين كانت هذه لي؟ فقال لي: سأحدثك: إني أوقفت أرضًا من جملة مالي للشعراء، غلتها في كل سنة مائة دينار؛ ومنذ سبع سنين لم يأتني أحد لتوالي الفتن التي دهمت البلاد؛ فاجتمع هذا المال حتى سِيق إليك, وأما هذه فمن حر مالي! يعني: الأربعين مثقالًا؛ فدخلت عليه جائعًا فقيرًا، وخرجت عنه شبعان غنيًّا.

الأصم المرواني الشاعر، ابن الطليق

وأنشده في ذلك اليوم رجل من ولد الشريف الطليق المرواني، كان شريفًا من جهه أمه: من البسيط

ما للعِدَا جُنَّةٌ أوقى من الهرب1 ... ............................

فقال عبد المؤمن رافعًا صوته: إلى أين ... إلى أين؟ فقال الشاعر:

............................ ... أين المفر وخيل الله في الطلبِ!

وأين يذهب من في رأس شاهقة ... وقد رمته سماء الله بالشُّهُبِ2

حدث عن الروم في أقطار أندلس ... والبحر قد ملأ العِبْرَين بالعربِ3

فلما أتم القصيدة قال عبد المؤمن: بمثل هذا تمدح الخلفاء! فسمى نفسه خليفة كما ترى ...

وجد هذا الشاعر هو الشريف الطليق، طليق النَّعامة؛ وإنما سمي بذلك لأنه كان محبوسًا في مُطْبِق أبي عامر محمد بن أبي عامر الملقب بالمنصور القائم بدعوة هشام المؤيد، أقام في ذلك المحبس سنين، فكتب يومًا قصة يذكر فيها ما آلت إليه حاله من ضيق الحبس وضنك4 العيش، فرفعت إلى ابن أبي عامر؛ فأخذها في جملة رقاع ودخل إلى داره. فجاءت نعامة كانت هناك، فجعل يلقي إليها الرقاع، فتبتلع شيئًا وتلقي شيئًا. فألقى إليها رقعة هذا الشريف في جملة الرقاع وهو لم يقرأها، فأخذتها ثم دارت وألقتها في حِجْره، فرمى بها إليها ثانية، فدارت القصر كله ثم جاءت وألقتها في حجره، فرمى بها إليها ثالثة ... وفعلت ذلك مرارًا؛ فتعجب من ذلك، وقرأ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015