نحو طريقة محمد بن هانئ الأندلسي1، في قصد الألفاظ الرائعة والقعاقع2 المهولة وإيثار التقعير3؛ إلا أن محمد بن هانئ كان أجود منه طبعًا وأحلى مَهْيَعًا4؛ فأنشد في ذلك اليوم قصيدة أجاد فيها ما أراد. أولها: من الكامل
بلغ الزمان بهديكم ما أمَّلا ... وتعلمت أيامه أن تعدِلا
وبحسْبه أن كان شيئًا قابلا ... وجد الهداية صورة فتشكلا
لم يبق على خاطري منها أكثر من هذين البيتين.
ولابن حبوس هذا قصائد كثيرة. وكان حظيًّا5 عنده, نال في أيامه ثروة, وكذلك في أيام ابنه أبي يعقوب. وكان في دولة لمتونة مقدمًا في الشعراء، حتى نقلت إليهم عنه حماقات، فهرب إلى الأندلس، ولم يزل بها مستخفيًا ينتقل من بلد إلى بلد، حتى انتقلت الدولة المرابطية.
قرأ عليَّ ابنه عبد الله من خط أبيه هذه الحكاية، قال:
دخلت مدينة شلب من بلاد الأندلس، ولي يوم دخلتها ثلاثة أيام لم أطعم فيها شيئًا، فسألت عمن يقصد إليه فيها، فدلني بعض أهلها على رجل يعرف بـ ابن الملح، فعمدت إلى بعض الوراقين فسألته سِحاءة ودواة، فأعطانيهما؛ فكتبت أبياتًا أمتدحه بها، وقصدت داره، فإذا هو في الدهليز6، فسلمت عليه، فرحب بي ورد علي أحسن رد، وتلقاني أحسن لقاء، وقال: أحسبك غريبًا! قلت: نعم؛ فقال لي: من أي طبقات الناس أنت؟ فأخبرته أني من أهل الأدب، من الشعراء؛ ثم أنشدته الأبيات التي قلت؛ فوقعت منه أحسن موقع؛ فأدخلني إلى منزله، وقدم إلي الطعام، وجعل يحدثني؛ فما رأيت أحسن محاضرةً منه. فلما آن الانصراف، خرج ثم عاد ومعه عبدان يحملان صندوقًا حتى وضعه بين يدي؛ ففتحه فأخرج منه سبعمائة دينار مرابطية، فدفعها إلي وقال: هذه لك! ثم دفع إلي صرة فيها أربعون مثقالًا، وقال: