وتعيده إلى حاله. وربما نصبته أذن جَوَاد، ومسخته حَدَق جراد، ومشقته حروفًا بِرَقّ، بكف ودق. ولثمت بسناه قِنديله، وألقت على أعطافه مِنديله. فلا حظ منه للعين، ولا هداية في الطِّرس لليدين؛ والليل زَنجي الأديم1، تِبري النجوم؛ قد جللنا ساجُه2، وأغرقتنا أمواجه؛ فلا مجال لِلَحْظٍ، ولا تعارف إلا بلفظٍ. لو نظرت فيه الزرقاء لاكتحلت، أو خُضبت به الشَّيبة لما نصلت3؛ والكلب قد صافح خيشومه ذنَبه، وأنكر البيت وطُنُبه4، والتوى التواء الحُباب5، واستدار استدارة الحَباب6. وجَلده الجليد، وصعد أنفاسه الصَّعيد؛ فحِماه مباح، ولا هرِير7 ولا نُباح. والنار كالرحيق، أو كالصديق. كلاهما عنقاء مُغرِب، أو نجم مغرب. استوى الفصل، ولك في الإغضاء الفضل؛ والسلام.

ولأبي عبد الله هذا ديوان رسائل يدور بأيدي أدباء أهل الأندلس، قد جعلوه مثالًا يحتذونه، ونصبوه إمامًا يقتفونه؛ منعني من إيراد ما أختار له من ذلك، خوف الخروج إلى التطويل الممل، والإكثار المخل.

فلم يزل أبو عبد الله هذا وأخوه كاتبينِ لأمير المسلمين، إلى أن أخر أمير المسلمين أبا مروان عن الكتابة، لمَوْجِدة كانت منه عليه؛ سببها أنه أمره وأخاه أبا عبد الله أن يكتب عنه إلى جند بلنسية، حين تخاذلوا وتواكلوا حتى هزمهم ابن رذمير -لعنه الله- هزيمة قبيحة، وقتل منهم مقتلة عظيمة؛ فكتب أبو عبد الله رسالته المشهورة في ذلك؛ وهي رسالة كاد أهل الأندلس قاطبة أن يحفظوها، أحسن فيها ما شاء، منعني من إيرادها ما فيها من الطول. وكتب أبو مروان رسالة في ذلك الغرض، أفحش فيها على المرابطين وأغلظ لهم في القول أكثر من الحاجة؛ فمن فصولها قوله: أَيْ بني اللئيمة، وأعيار الهزيمة، إِلامَ يزيفكم الناقد، ويردكم الفارس الواحد؟ فليت لكم بارتباط الخيول ضأنًا لها حالب قاعد. لقد آن أن نوسعكم عقابًا، وألا تلُوثوا8

طور بواسطة نورين ميديا © 2015