يرومها الجدب ولا يتعاطاها؛ فروعها فوق الثريا شامخة، وعروقها تحت الثرى راسخة، تباهي بأزهارها نجوم السماء، وتناجي بأسرارها أذن الجوزاء، مواقع القطار1 في سواها مغبرَّة مربدَّة2، وهي زاهرة تَرِفُّ أنداؤها، ومطالع الأنوار في حشاها مقشعرة مسودة، وهي ناضرة تَشِفُّ أضواؤها. وكانت في الزمن الغابر، أعيت على عظيم القياصر، فنازلها بأكثر من القَطْر عددًا، وحاولها بأوفر من البحر مددًا، فأبت على طاعته كل الإباء، واستعصت على استطاعته أشد الاستعصاء، ومردت مُرود3 مارد على الزَّبَّاء4. فأمكننا الله تعالى من ذِرْوتها، وأنزل رُكابها لنا عن صهوتها.
ومن رسائله -الإخوانيات- رسالة كتب بها إلى أبي عبد الله محمد بن أبي الخصال5 يخطب مودته، ويستدعي من إخائه جدته:
أنا مع عمادي الأعظم -أدام الله علوه- كعزيب6 طواه الجَهْد، وآواه من تِهامة وَهْد7، وما له بريحها العقيم، ولا بحرها المقعد المقيم عهد. فرفضت به من سرابها المغرق وشرابها المحرق في حمَّام، فأشرف من ذلك الجحيم وضَرَمه، لولا تنفيس الرحيم عنه بكرمه, فوأل8 إلى ربوة من رباها، وسأل جبال فاران عن مهب صَباها؛ ليلتقط من أنفاسها بوساطة نجد، بردًا يهديه إلى حر الوجد؛ فحيته ببليل من نسيمها العليل، فأحيته بعد التعليل.
وأنا ما قصدت فيما خطبت به إليك لآخذ عليك بفضل الابتداء، وإنما سلكت سبيل الاقتداء، واتبعت دليل الاهتداء؛ وأردت أن أستنير بأضوائك، وأستثير من سمائك، نجومًا تهديني في غسق الظلام، أو رُجومًا تعديني على مسترق سمع الكلام. فإن سمح عمادي بالجواب ورَجْعه، غالبت -بما حصل منه لدي ووصل إلي- الحمام