فلقد صدع بتوحيده، وجمع على وعده ووعيده، وأوضح الحق وجلاه، ونصح الخلق وهداه، إلا من حقت عليه كلمة العذاب، وسبقت له الشقوة في أم الكتاب.
وأظهر العزيز -عزت أسماؤه، وجلت كبرياؤه- دينه على جميع الأديان، على رَغْم من الصلبان، ووَقْم1 من الأوثان؛ وأنجز لنا تعالى وعده، ونصرنا معه -صلى الله عليه وسلم- وبعده، وجمع في هذه الجزيرة شمل الإسلام بعد انصرامه وانبتاته2، وقطع غِيل3 الإشراك بعد انتصابه وثباته، وأنزل الذين كفروا من أهل الكتاب بأيدينا من صَيَاصيهم4، نأخذ بأقدامهم ونواصيهم.
وكانت قلعة شنترين -أدام الله أمر أمير المسلمين- من أحصن المعاقل للمشركين، وأثبت المعاقل على المسلمين؛ فلم نزل بسعيك الذي اقتفيناه، وهديك الذي اكتفيناه، نَخْضد5 شوكتها، وننحت أَثْلَتها6، ونتناولها عَلَلًا بعد نَهَل7، ونطاولها عجلًا في مهل؛ نخرُف8 الحين بعد الحين سَرَاة رجالها، ونتطرف9 المرة بعد المرة حماة أبطالها، ونخوض غمار كفاحهم، وبحار صِفاحهم10، إلى بسط أشباحهم، وقبض أرواحهم، ونُهدي للقَنا وصدورها رءوسهم، وإلى لظًى وسعيرها نفوسهم، وننقلهم من الشِّفار اليمانية، إلى النار الحامية، ونرفع بالجد والتشمير حجاب كيدهم الغامض، ونضعضع باستخارة القديم القدير هضاب أَيْدِهم الهائض11. ولما رأينا هذه القلعة الشريفة المناسب في القلاع، المنيفة12 المناصب على البقاع، قد استشرى داؤها، وأعيا دواؤها، استخرنا الله تعالى على صَمْدها13، وضرَعنا إليه في تسهيل قصدها؛ وسألناه ألا يكلنا إلى نفوسنا، وإن كانت في صيانة