وإنما أوردنا هذه النبذة اليسيرة من أخبار المعتمد على الله، مع ما تعلق بها، وإن كانت مخرجة عن الغرض؛ لندل بها على ما قدمنا من ذكر فضله وغزارة أدبه وإيثاره لذلك؛ وأيضًا فليتصل نسق الأخبار عن المملكة، أعني: مملكة الأندلس إلى المرابطين أصحاب يوسف بن تاشفين, ولوجه ثالث: وهو أن ما آلت إليه حال المعتمد هذا من الخمول بعد النباهة1, والضَّعة2 بعد الرفعة، والقبض بعد البسط، من جملة العبر3 التي أرتْنَاها الأيام، والمواعظ التي تصغر الدنيا في عيون أولي الأفهام.
ثم إن يوسف بن تاشفين استوسق له أمر الأندلس بعد القبض على المعتمد؛ إذ كان هو كبش كتيبتها، وعين أعيانها، وواسطة نظمها؛ فلم يزل أصحاب يوسف بن تاشفين يطوون تلك الممالك مملكة مملكة، إلى أن دانت لهم الجزيرة بأجمعها؛ فأظهروا في أول إمرتهم من النكاية4 في العدو، والدفاع عن المسلمين، وحماية الثغور، ما صدق بهم الظنون، وأثلج الصدور5، وأقر العيون؛ فزاد حب أهل الأندلس لهم، واشتد خوف ملوك الروم منهم؛ ويوسف بن تاشفين في ذلك كله يمدهم في كل ساعة بالجيوش بعد الجيوش، والخيل إثر الخيل، ويقول في كل مجلس من مجالسه: إنما كان غرضنا في ملك هذه الجزيرة أن نستنقذها من أيدي الروم، لما رأينا استيلاءهم على أكثرها، وغفلة ملوكهم وإهمالهم للغزو وتواكلهم وتخاذلهم وإيثارهم الراحة؛ وإنما همة أحدهم كأس يشربها، وقَيْنة تُسمعه، ولهو