على أصل آخر مِثَال ردنا التطاول فِي الشَّهَادَة على السّرقَة إِلَى التطاول فِي الشَّهَادَة على الزِّنَا فِي أَن الْحَاكِم لَا يحكم بهما بعلة أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا حق من حُقُوق الله تَعَالَى وَلَيْسَت هَذِه الْعلَّة هِيَ الَّتِي لَهَا لم يحكم الْحَاكِم بِالشَّهَادَةِ على الزِّنَا إِذا تطاول عهدها لَكِن الْعلَّة فِي ذَلِك أَن الشُّهُود على الزِّنَا مخيرون بَين إِقَامَة الشَّهَادَة بِحَق الله سُبْحَانَهُ وَبَين السّتْر على الْمَشْهُود عَلَيْهِ فاذا أخروا الشَّهَادَة علمنَا أَنهم آثروا فاذا شهدُوا من بعد تَبينا ان عَدَاوَة تَجَدَّدَتْ لَهُم والعدوان تتهم الشُّهُود وَقد منع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبُول شَهَادَة ذَوي الأضغان وَظهر لنا أَنهم من ذَوي الأضغان لَا أَنا نقيسهم على ذَوي الأضغان وَهَذِه الْعلَّة لَا يُمكن ذكرهَا فِي الشَّهَادَة على السّرقَة لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون الشُّهُود إِنَّمَا أخروا الشَّهَادَة لِأَن الْمَسْرُوق مِنْهُ أخر الْمُطَالبَة فقد بَان عِلّة حكم الأَصْل غير الْعلَّة الَّتِي بهَا رددنا الْفَرْع إِلَى الأَصْل
وَقد اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك فَمنهمْ من أجَاز تَعْلِيل الحكم بِالْعِلَّةِ الَّتِي لم يثبت الحكم بهَا قَالَ لِأَن الْعلَّة الَّتِي بهَا يثبت حكم الأَصْل هِيَ طَرِيق الحكم فِي الأَصْل فجرت مجْرى النَّص الدَّال على حكم الأَصْل فَكَمَا يجوز أَن تدل دلَالَة على أَن لبَعض اوصاف الأَصْل الْمَنْصُوص على حكمه تَأْثِيرا فِي ذَلِك الحكم فتجعل علته وَيُقَاس بهَا فرع من الْفُرُوع عَلَيْهِ جَازَ أَيْضا فِي بعض مَا ثَبت حكمه لعِلَّة من الْعِلَل أَن تدل دلَالَة على أَن لبَعض أَوْصَافه تَأْثِيرا فِي ذَلِك الحكم فتجعل عِلّة فِيهِ وَيُقَاس بهَا على الْفُرُوع وَمِنْهُم من لم يصحح الْعلَّة الَّتِي لَا يثبت بهَا حكم الأَصْل لِأَن هَذِه الْعلَّة لَا يُمكن أَن تدل على صِحَّتهَا وَأَنَّهَا لمكانها ثَبت حكم الأَصْل لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يسْتَدلّ على ذَلِك بِفساد مَا عَداهَا لِأَن الْعلَّة الْأُخْرَى صَحِيحَة وَلَا يُمكن أَن نستدل عَلَيْهَا بِأَن الحكم يُوجد بوجودها فِي الأَصْل وينتفي بانتفائها عَن الأَصْل وَانْتِفَاء مَا يقوم مقَامهَا لعلمنا أَنَّهَا لَو وجدت وَحدهَا فِي الأَصْل من دون الْعلَّة الْأُخْرَى لم يثبت الحكم فاذا لم يُمكن أَن تدل دلَالَة على صِحَّتهَا لم تثبت صِحَّتهَا
وَأما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ إِذا كَانَت الْعلَّة الَّتِي هِيَ دَلِيل الحكم فِي الأَصْل يُقَاس بهَا ذَلِك الأَصْل على أصل آخر فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُمكن أَن يُقَاس الْفَرْع الآخر بِتِلْكَ الْعلَّة على الأَصْل الأول أَو لَا يُمكن فَإِن لم يُمكن فَالْخِلَاف فِيهِ