- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي أَنا متعبدون بِالْقِيَاسِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
اعْلَم أَن من النَّاس من قَالَ قد تعبدنا الله تَعَالَى فِي الْحَوَادِث الشَّرْعِيَّة بِالْقِيَاسِ وَمِنْهُم من قَالَ لم يتعبد بِهِ وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فَمنهمْ من قَالَ قد وَردت الشَّرِيعَة بِالْمَنْعِ مِنْهُ وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّمَا لم يُثبتهُ فِي الشَّرِيعَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يدل على التَّعَبُّد بِهِ وَاخْتلف من أثبت التَّعَبُّد بِهِ فَقَالَ قوم الْعقل يدل على ذَلِك والسمع وَقَالَ آخَرُونَ السّمع فَقَط يدل عَلَيْهِ وَالَّذِي يبين أَن الْعقل بدل على التَّعَبُّد بِهِ أَن مرادنا بقولنَا إِن الْعقل يدل على ذَلِك هُوَ أَنا إِذا ظننا بأمارة شَرْعِيَّة عِلّة حكم الأَصْل ثمَّ علمنَا بِالْعقلِ أَو بالحس ثُبُوتهَا فِي شَيْء آخر فان الْعقل يُوجب قِيَاس ذَلِك الشَّيْء على ذَلِك الأَصْل بِتِلْكَ الْعلَّة أما جَوَاز قيام امارة شَرْعِيَّة على عِلّة حكم الأَصْل فَهُوَ أَنا إِذا علمنَا أَن قبح شرب الْخمر يحصل عِنْد شدتها وينتفي عِنْد انْتِفَاء شدتها كَانَ ذَلِك أَمارَة تَقْتَضِي الظَّن لكَون شدتها عِلّة تَحْرِيمهَا وَمَعْلُوم أَن الشدَّة مَعْلُوم ثُبُوتهَا فِي النَّبِيذ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْعقل يُوجب قِيَاس النَّبِيذ على الْخمر لِأَن الْعقل يَقْتَضِي قبح مَا ظننا فِيهِ أَمارَة الْمضرَّة وأمارة التَّحْرِيم هِيَ أَمارَة الْمضرَّة أَلا ترى أَن الْعقل يَقْتَضِي قبح الْجُلُوس تَحت حَائِط مائل لعلمنا بِثُبُوت امارة الْمضرَّة فان قيل كَيفَ يجوز الْقطع على قبح مَا وجدت فِيهِ امارة التَّحْرِيم والمضرة مَعَ ان الأمارة قد تخطىء وَقد تصيب قيل كَمَا يجوز مثله فِي امارة المضار الْحَاصِلَة فِي الْقيام تَحت حَائِط مائل
فان قَالُوا الْعقل إِذا انْفَرد يَقْتَضِي إِبَاحَة شرب النَّبِيذ فَلم يجز الِانْصِرَاف عَنهُ لأمارة قيل لَهُم مثله فِي الْجُلُوس تَحت الْحَائِط لِأَن الْعقل يَقْتَضِي إِبَاحَة الْجُلُوس فِي الأَصْل فَيجب أَن لَا ننتقل عَن هَذِه الْإِبَاحَة لأمارة يجوز أَن تخطيء وتصيب
فان قَالُوا إِنَّمَا حسن الْجُلُوس بِشَرْط أَن لَا يكون فِيهِ امارة الْمضرَّة قيل