ثم انقشعت تلك المخيلة، وتحركت فيه المودة الدخيلة؛ وأكدت تجديد ذلك العهد الرائق، وكف أيدي العوائق، فكتب إليه:
أكعبةَ عليَاءٍ وهَضْبة سُؤدَدٍ ... ورَوْضةَ مَجْدٍ بالمفَاخر تُمْطِرُ
هَنيئاً لمُلْكٍ زانَ نُورُك أفْقَه ... وفي صَفْحَتيه من مَضائك أسْطَر
وإني لخفَّاق الجنَاحَين كلمّا ... سَرَى لك ذكرٌ أو نَسيم مُعَطَّر
وقد كان واشٍ هاجَنا لتنافُرٍ ... فَبِتُّ وأحشائي جَوًى تَتفطّر
فهل لك في وُدّ ذَوَي لك ظاهراً ... وباطِنُه يَنْدَى صَفَاءً ويَقْطُر
ولستُ بِعِلْقٍ بِيعَ بَخْساً وإنّني ... لأرْفَعُ أعْلاقِ الزمان وأنْضَر
الأعلاق: جمع علق، وهو الشيء النفيس، فأمر الأمير ذو الوزارتين أبا عبد الله ابن أبي الخصال بمراجعته، فكتب عنه بقطعة منها:
ثَنيتَ أبا نَصْر عِنَاني وربَّما ... ثنَتْ عَزْمةَ السَّهم المُصمم أسُطُر
ونالت هوًى ما لم تكن لَتنالَه ... سُيوفٌ مواضٍ أو قَنًا تَتأطّر
وما أنَا إلا مَن عرفتَ وإنّما ... بَطِرْتَ ودادي والمودّةُ تُبْطِر
نظرتَ بعينٍ لو نظرتَ بغيرها ... أصَبْتَ وجفْنُ الرّأي وسْنَانَ يَسْطر