وشذا خيوطِ المزنِ يرسلها الحيا ... إبَراً وأكمامُ النباتِ تفتقُ
فأقمنا بذلك البلد بقية اليوم ثم ليلة الأحد، فلمّا أسفر نهاره، وحمدت آثاره وتكلم عصفوره وترنّم هزاره، وفاخر شيحه بعرفه عراره، حييناه بصلاة الصبح، وأملنا من الله الصلاح والنجح، وفارقناه غير مذمم، ويممنا إن شاء الله تعالى خير ميمم، وما زلنا ذلك النهار نساير السبيل حيث سار، ونأخذ تارة اليمين وتارة اليسار، بين
جنات معروشات وغير معروشات، وأراضٍ موشات بالربيع منقوشات، وبطاح وأدواح، ومروج فساح، وانبساط وانشراح، وبسيط له اتساع وانفساح، ومياه لها على درر الحصباء انسحاب وانسياح، وروضات يعترى ويعترض إليها اهتزاز وارتياح، ووجنات جنات ريقها نداً وثغورها أقاح:
وأرضٌ من الحصباءِ بيضاء قد جرت ... جداولُ ماءٍ فوقَها تتفجرُ
كما سَبَحت تبغي النجاةَ أرَاقِمٌ ... على روضةٍ فيها الأقَاحُ منورُ
إلى أن تداعى بنيان النهار في الانهيار، فوافتنا الرحمة من سائر الأقطار، بوافر الغيث ومديد الأمطار، فاستبشرنا وحُقَّ لنا الاستبشار ودخلنا حينئذ مدينة أُسْكُودَار، وداعي الفلاح يدعو إلى الصلاة الوسطى، فازداد القلب بذلك سروراً