منه عندما نصل خضاب الليل، وشمّر زنجيه للهرب من رومي الصباح الذيل، ولمع صارم الفجر من الشرق كلمعان البرق، وسرنا في دروب محجرة، ودَرْبَنْدَات مضجرة، وشعراء بالخوف مشعرة، وأرض خالية من الأنيس مقفرة، ومسالك عسرة وعرة، إلى عقبة ينخفض عنها طرف العقاب، ويعسكر دونها جيش السحاب، بها أشجار لا تعد ولا تحصى، ولا يدرك الأدنى منها والأقصى، فلم نزل نجوب كل مسلك وطريق، تارة في السعة وتارة في الضيق، إلى أن وصلنا وقت الضحى الأنيق، عند تعالي وجه الشمس الشريق، من يوم الأربعاء إلى مدينة أزْنِيْق، وهي مدينة عظيمة المنظر حسنة المخبر، ممتعة بالروض الناعم والنسيم الأعطر، من أحسن البلاد الرُّوميّة أزقة وأسواقاً، وأكثرها فوائد وأرزاقاً، وأوضحها بياضاً وإشراقاً، وأبدعها اتصالاً بالبساتين والتصاقاً، وأملحها مرسى، وأمنحها أنسا، وأينعها روضاً، وأترعها حوضاً، معتدلة الهواء، سامية البناء، واسعة الفناء، ساكنة المساكن، مكينة الأماكن، لائحة المباهج، واضحة المناهج، صافية الزلال، ضافية الظلال، معشبة الشعاب، عامرة الجناب، مرنة الرباب، هامرة السحاب، سابغة المدارع، سائغة المشارع، سافرة المطالع، وافرة الصنائع،
وهي مخصوصة بعمل الصيني الرُّوميّ وبه تعرف، وهو ألطف من معمول الصِّيْن وأظرف، وبها فاكهة كثيرة حسنة، وقد رأينا بها قراصيا ملوّنة ما بين بيضاء وشقراء