بالمواسط أمر الله تعالى باجتماع الرياح المختلفة، وتفريق تلك الواحة المؤتلفة، فضربنا في البحر يمينا ويساراً، وسرنا إقبالاً وإدباراً، وتدفعت الأمواج وعظم الارتجاج، وعصفت الجَنُوب، وعسفت الجُنوب ومسي السفر ما كان، وجاءهم الموج من كل مكان، فرجفت القلوب وخرست الألسن، وجرت الرياح بما لم تشته السفن. وقد اشتدت علينا الرياح الغربيّة، وتحكمت فينا المياه البحريّة، ولم نزل في

تلك السفينة بين قوادمها وخوافيها، نلاحظ المنايا حينا وحينا نوافيها، قد تبدلنا من ظل عُلاً ومفاخر، بقفر بحر طامي اللجج زاخر، ومن صهوات الخيول المسرجة، بلهوات بحر امتطينا ثَبْجَه، ولم نزل نعاني أليم الوجد وعظيم التبريح، إلى أن أذن الله سبحانه بسكون الريح، ثم أرسينا بعد عناء طويل بمرساة القرية المعروفة بالديل، ثم ترحلّنا من تلك المرسى، وتبدلنا من تلك الوحشة أنسا، ونزلنا عند العشية بقرية هناك سكن ينكجرية، فبتنا جميعاً بها، ولم نفرق بين ظهر المطر وقبتها، فلمّا بدا من الفجر سفور، ونثر للصبح كافور، وأحرقت فحمة الليل عنبر الصباح، وخبا من النجوم الزهر كل مصباح، ترحلنا من ذلك المنزل، وتركنا الراحة عنّا بمعزل، وسرنا في دَرْبَنْدَات ووداة كثيرات الأشجار الملتفة والمياه، إلى أن تضاحى النهار، واستبان رونقه واستنار، فنزلنا بقرية تعرف بقرية الدَّرْوَند، بها مياه شديدة البرد، وأشجار طيبة النشر كالعرار والرند.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015