ولم نزل نَفْري أديم الثرى، ونجدب مطي الفيافي بجدب البرى، إلى أن هرم ذلك النهار، وكاد جرف اليوم ينهار، وما بطل السير ولا تعطل، حتى أشرفنا على قرية القَرْطَل، وبتنا بها ليلة السبت رابع عشرين شوال بمكان مشرف عال، مخضر الجنبات، طيب النفحات، مستحسن النبات، حسن للبيات، فحين تبدّى النور، وتكلم العصفور، أزمعنا على الترحال، وشددنا الخيل والأحْمَال، واستمر بنا السير متصل الأعمال، إلى أن وصلنا الى كيكثبزه وقت الزوال، ودائره البيضاء يتمنى مركز الزوال، فأقمنا بها ريثما نقيل، ونريح علل الرفاق ونزيل.
ثم رحلنا منه وسرنا نجدُّ في السير، ونسرع إسراع الطير، إلى أن جدّ المسير وحمى الهجير، فوصلنا إلى سَاحِل البحر إلى محل التعدي، وقد علمنا من تكرر صحبته ما هو منطوٍ عليه من الجور والتعدي، فاخترنا مِنَ الجواري المنشئات جارية حالكة السيات، واستخرنا الله في ركوبها، ودعوناه في تيسير مرامها ومطلوبها، ثم حللنا بها وأنِسْنَاها، وتأملنا من الله الرحمة وما آيسناها، وقلنا لأصحابنا (اركبوا فيها بِِسمِ اللهِ مَجْرَاها ومُرْسَاها)، ثم أسرعت في اندفاعها، وقد استذرينا تحت ظل شراعها:
فحسبته خوف العَواصِف طائراً ... مدّ الجنان على بنية جناحا
(ولم نزل نسير والبحور هْو (؟) والعيش صفو والزمان لهو)، حتى إذا كنا