ذكر الرجوع الى الوطن
والأوبة بعد طول مدة هذه الغيبة
ثم لما انقضت بحمد الله تعالى جميع الأشغال، وانتظمت بعون الله سائر الأحوال، ومَنَّ الله تعالى بالظفر، شرعنا مسرعين في أهبّة السفر، وذلك السيد الكريم والولي الحميم في تعاطي حَاجَاتي بنفسه مهتم على أتم الأحوال وأكمل الأمور، وبمفارقتي له مغتم، وببلوغ أربي مسرور، إلى أن كمل الاستعداد وتهيأت الرفقة والزاد.
وأُسْرِجَ جواد الأوبة، وتقوضت خيام الغيبة، وحُم يوم الفراق، واحتدم ذلك التلاق، وأضرمت تلك الأعلاق، وأعدّت الركاب، وحضر للوداع جميع الأصحاب، وتحقّق السير عن ذلك الحمى، وأشأم حادٍ كان بالأمس أتهما، وأُجريت الدموع، وطلق الهجوع، وأضرمت نيران الزفرات الأكباد والضلوع:
ومدت أكفٌ للوداع فصافحت ... وكادَت عُيون للفراق تسيل
فيا لساعات التوديع ما أشدّ كربَها وأحدّ عزمَها، وأكثرها إلهاباً للخلد، وذهاباً بالجَلد، وذواباً للجِلد والجسَد، وممّا قلته:
يا قاتل الله قلبي كم أحملهُ ... ما لا يطيق لقد رثت علائقهُ
في كل يومٍ له خلٌ يودعهُ ... معَ الزّمان ومحبوبٌ يفارقهُ
وأنشدت ذلك السيد الحبيب، وأنا وهو منتحب ومفارق لجسماني ولقلبي مصطحب: