رُدَّ بالعطاش على عيني ومَحْجرِهَا ... تُروي العطاشَ بدمعٍ واكفٍ جاري
يا مُزْمع البين لا كان الرحيل فإن ... كان الرحيل فإني غير صبَّارِ
إن غابَ شخصكَ عن عيني فلم ترهُ ... فإنّ ذكركَ مقرون بإضمارِ
ذكر العود إلى القُسْطَنْطِينيّة
وما جرى بعد ذلك من الأمور المرضيّة
وكان رحيلنا من ذلك المكان الذي مرّ ذكره وتقدم، يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول المكرم بمولد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسرنا والسماء متسترة بأجنحة الفواخت، والطرف من خوف ما يحصل من نؤها باهت، ولم نزل نسير ونلتهم الأرض التهام الضمير، ونرتبط بالجد ارتباط الفعل بالضمير، ونجول في وداة وأشجار، ونحوب في مياه كالأنهار، إلى أن انهار جرف بناء ذلك النهار، ونحن نصل السير بالسُّرَى، ونعاصى عاذل الكرى، واليباب يخفضنا إلى بطون وهاده، ويرفعنا إلى ظهور نجاده، والليل قد أرفلنا في بجاده وجللنا برداء سواده، والقمر
قد حجبه الغيم في أفقه، فلم يظهر من غربه ولا شرقه، وعَوَّض عنه بسناء برقه، والرذاذ يلطم الجباه، ويهجم على العيون والأفواه، وذيل الوحل على الأرض منسبل، وستره على بطحائها منسدل، (وسُلْطَان النوم عن الطرف ينعزل وعلى وصليه إلى المقل منفصل) والإعمال في السير متصل، وكل منا بحالة الخائف