سهامه إلينا، وقلنا الحمد لله اللهم حوالينا ولا علينا، وهذان النذلان يعدانا بمواعيدهما المعروفة، ويجريان من الكذب على عوائدهما المألوفة، ويعاهدان ثم يخلفان، ويكذبان فيما عليه يحلفان، فلم تزل تلك دعواهم، أضعف الله قواهم،
وضاعف بلواهم وأبعدهم وأخزاهم (وعاملهم بعدله وجزاهم)، فما أجرأهم على النفاق وأجراهم، فبينا أنا أقاسي من ذلك حزناً وحربا، وأتنفس الصّعداء غموماً وكربا، وألاقي من تلك الأهوال وصبا ونصبا، وأكاد أتميز غيظاً وغضبا (وقد بلغ السيل في الحالين الزبا)، وضاق الخناق، واشتد الوثاق، وتزايد الإغراق والإحراق، وبلغ إلى حدٍّ لا يستطاعُ وصفه ولا يطاق، فما راعني إلاّ البشرى بوصول خيلنا، وسوقها من فضل الله سوقاً لنا، فاستخرت الله تعالى في السفر في البحر وصمّمت، وعزمت عليه وعزَّمت وجزمت، وكان قد تنجز أمر ماميه حقيقة في تلك الساعة، وعزم على الركوب في سفينتهِ السيد ومن معه من الجماعة، وعرض علينا ماميه الركوب فيها عرض الكرماء فأنشدته:
ما أنت نوح فتنجيني سفينته ... ولا المسيح أنا أمشي على الماء
وممّا جرى على اللسان فيه وفي أبيه ما أنشدته على البديه، وهو قولي:
إنّ يقل المريض ثلث مالي ... لا نذل النساءِ والرجال
نصرفه في الحال إلى مَاميه ... لكن أبوه يدعي عليه