نزل بذلك الحال حتى حَلّ ذلك الوقت وَحَال، ومضى يوم الجمعة بالتمام والكمال، وتصرّمت بعده عدّة ليال، فتزايد الكرب، وذاب من نار الانتظار القلب، وضنى الجسد والفؤاد، من خلف الميعاد بعد الميعاد، فذكرنا ذلك لقاضي البلد، فأحضرهما وتوعد، وأنكر عليهما وتهدد، وبالغ في ذلك وشدّد، وأبرق في إيعاده وأرعد، فقالا: لا عذر لنا بعد اليوم، ولا إنكار ولا لوم، ويوم الثلاثاء من كل بدّ يركب القوم، ويأخذ مركبنا في السير والعوم، وحلفا على ذلك وعاهدا، وبالغا في أيمانهما وعهودهما وأكدا، فحضرا يوم الثلاثاء يُحثان في المسير احتثاثاً، ويُظْهران أنهما لا يُبْديان للعهد انتكاثا، وقالا: لم يوافق هذا النهار ريح موافق ولا رُزكار، وبعد يومين تنصلح الرياح غاية الانصلاح، ويحصل رُزكار مواتٍ للرواح، وفي يوم السبتّ يكون السفر على البت، فجاء السبت وانصرم، واتقدّ جمر القلب واضطرم، ثم مضى يوم الأحد ولم يحضر منهما أحد، فلمّا كان ضحى يوم الاثنين حضر أحد الاثنين واعتذر بما لن ينفعه، عذراً ما كان أصقعه، وقال: نرسل في الغد صندلاً لنقل الأسباب والأمتعة، فلم نصدقه من كثرة ما كذب، وأقمنا جدّه مقام اللعب، فلمّا انجلى وجه الصباح وتهلل، ظهر لنا من بُعدٍ ذلك الصندل، ففرحنا به فرحنا بالمواسم، وانتظرنا وصوله للثغر وثغر كلّ منا باسم، وما علمنا أنّ هذا الفرح يعقبه بؤس، وهذا البشر بديله عبوس، فأنزلنا فيه في تلك الساعة