فيؤجّل نهيه عن الربا، أحد أعمدة النشاط المالي المكيّ، إلى وقت طويل بعد الهجرة، ويكتفي بنقد موقفهم الشخصي من الثروة.. «لقد كان زعماء مكة من بعد النظر بحيث أقرّوا بالتناقض بين تعاليم القرآن الأخلاقية ورأس المال التجاري الذي كان عماد حياتهم، ولهذا لم يظهر النهي عن الربا حتى وقت طويل بعد الهجرة، بينما ظهر منذ البداية نقد لموقفهم الشخصي من الثروة» (?) .

ويصعب على المرء التصديق بأن مستشرقا متعمّقا كوات لا يدرك الفارق بين العقيدة والشريعة في الإسلام، وأن المرحلة المكّية تختلف عن المرحلة المدنيّة في أن حركة الإسلام في الأولى كانت منصبّة على البناء العقيدي، بينما انصبّت في المرحلة التالية على البناء التشريعي بسبب قيام دولة الإسلام وما تتطلبه من نظم ومعطيات تشريعيّة، مع استمرار البناء العقيدي بطبيعة الحال.. فالذي حدث ليس تحوّلا في بنية الإسلام نفسه، بل في تنظيم الأولويات بعد إنجاز مرحلة بناء الجماعة الإسلامية وقيام دولة الإسلام في المدينة ومع ذلك فنحن نقرأ في كتاب (وات) هذه العبارة: «نستطيع القول بأن الإسلام قد تحول في خطوطه الكبرى عند الهجرة، ولكن معظم مؤسساته كان لا يزال في مرحلة بدائية، فلم يتم بعد، تحديد الصلوات ولا العبادة، وإن كانت قد وضعت الأسس لذلك.. ولم تظهر ظهورا كاملا أركان الإسلام الآخرى: الصيام، الزكاة، الشهادة، والحج، ومع ذلك كانت كل الأفكار الرئيسية: الله، اليوم الآخر، الجنة والنار، وإرسال الأنبياء، واضحة تماما» (?) .

وفرق واضح بين أن نقول بأن معظم مؤسسات الإسلام كانت في طور الولادة أو التشكيل، وبين أن نقول: إنها كانت في مرحلة بدائية!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015