ذلك أن للكلمات إيحاآت وظلالا، وإنه ليتوجّب على الباحث الجادّ أن يعرف كيف ينتقي كلماته.. وإلّا كان من حقّنا- كطرف في الموضوع- أن نتهمه بالأغراض!! أو على الأقل بأنه يجهل الفارق الحاسم بين المرحلتين المكيّة والمدنيّة حيث لم يكن التوجه في الأولى ينصب أساسا على إقامة المؤسسات، وكان الهدف: العقيدة من أجل الأساس الصالح لإقامة المؤسسات.
5
والآن ماذا بصدد تقليد القرنين الأخيرين القائل بفاعلية العامل الاقتصادي في التاريخ، والذي أخذ يتضخّم ويتضخّم حتى غدا على يد ماركس وأنجلز الحاكم بأمره في حركة التاريخ، بل إنه أصبح القاعدة الأساسية لكل تغيّر أو تحوّل حتى ولو كان دينيا أو أخلاقيا أو جماليا صرفا؟
ولقد أسر هذا الاعتقاد بدرجة أو أخرى، حتى أولئك المؤرخين الذين لم يعتنقوا المادية التاريخية، ولكنهم أصرّوا على تفسير كل ظاهرة تاريخية بالدافع الاقتصادي.. فلمّا تبيّن بمرور الزمن، واتساع إمكانات مناهج البحث وتكشف المزيد من الحقائق المضادّة عجز هذا الدافع عن أن يكون وراء كل ظاهرة، أو أن يفسّر كلّ حدث، تراجعوا بدورهم وخفّفوا من تبنّيهم للدافع، مفسحين المجال لفاعلية العوامل الآخرى التي لا تقل أهمية بحال من الأحوال.. أما المستشرقون عموما فقد تأخّروا بعض الشيء في اعتماد هذا الدافع ربما لأنّ وقائع التاريخ الإسلامي تتأبّى، أكثر من الأحداث التاريخيّة الأوربية، على دافع كهذا.. ولقد مرّ بنا كيف كان (وات) واحدا من الذين رفضوا الأخذ بمنطق التفسير المادي للتاريخ..
ولكن ذلك لم يكن يعني بالنسبة إليه، تجاوز الأخذ بمنطق التأثيرات الاقتصادية في التاريخ.. فإن القول بفعالية العامل الاقتصادي في التاريخ