ذلك إلا في فترات تالية ووفق الظروف التاريخيّة التي كان يجتازها حينا بعد حين، وقد يلتبس هذا المفهوم الوضعي الخاطئ للدين كحركة شاملة ذات أهداف محدّدة ابتداء، مع واحدة من أشدّ الحقائق أهمية في مسيرة الأديان تلك؛ هي أنّ كل دين سماويّ لا يتنزل دفعة واحدة ويطلب من المؤمنين به الالتزم بكافة واجباته ومنهياته مرة واحدة، إنّما يتنزل على مراحل، وينبني تدريجيا عبر مدى زمني قد يطول وقد يقصر، وهو خلال صيرورته تلك، يتعامل مع المراحل التاريخية وفق معطياتها المرحلية لكي يقدر على مد الجسور وإقامة الحوار وتحقيق التأثير المطلوب. هذا إلى أن النمو العقيدي، وفق هذا المنظور الحركي، يحقق من النتائج الإيجابية ويا بني من القيم ويعزّز من المبادئ ما لا يتحقق عشر معشاره في حالة التنزل الكامل دفعة واحدة.. ولهذا تنزل القرآن الكريم على مراحل، وهو يقولها بوضوح:
(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا) (?) .
وراح من خلال تنزّله ذاك على مراحل، يا بني الإنسان المسلم والجماعة المسلمة خطوة خطوة، ولبنة لبنة، من أجل أن يستقيم البناء، ويقدر عن طريق الالتحام بين التعاليم والتاريخ أن يحقّق هدفه حركيا.. وليس وفق طرائق الجدل النظري واللاهوت.
ولكن هذا لا يعني البتة أن الأنبياء عليهم السلام ما كانوا يرون أبعد من مواطئ أقدامهم.. وأنهم ما كانوا يعرفون سوى مطالب المرحلة الزمنية التي يعملون خلالها كما يرى المفهوم الغربي للتطور التدريجيّ.
إن (وات) يقع في إسار هذا المفهوم بسبب من كونه ابن بيئته الثقافية، لكي ما يلبث أن ينفذه في أكثر من مكان من كتابه عن (محمد) فيقع في حشد من الأخطاء.