فهو يقول- مثلا- معلقا على أقصوصة اعتراف الرسول صلى الله عليه وسلم بأصنام قريش الثلاثة (اللات والعزى ومناة) ، عبر مساومته مع الزعامة القرشية فيما يعرف (بالآيات الإبليسية) التي سبق وأن ناقشنا تبنّيه لها في مكان آخر: «عد الفقهاء المسلمون الذين ظلوا بعيدين عن المفهوم الغربي الحديث للنمو التدريجي محمدا على أنه قد أخبر منذ البدء بالمضمون الكامل لعقيدة الإسلام، فكان من الصعب عليهم أن لم ير محمد خروج الآيات الإبليسية على عقيدة الإسلام (!!) والحقيقة هي أن توحيده كان في الأصل، كما كان توحيد معاصريه المثقّفين، غامضا، ولم ير بعد أنّ قبول هذه المخلوقات الإلهية (!!) كان يتعارض مع هذا التوحيد. لا شك أنه يعد اللات والعزى ومناة على أنها كائنات سماوية أقل من الله، كما اعترفت اليهودية والمسيحية بوجود ملائكة. ويتحدّث القرآن عنها في الفترة (الأخيرة) ؟ المكية باسم الجن وإن كان يتحدث عنها في الفترة المدنية على أنها مجرد أسماء، إذا كان ذلك فليس من الضروري اكتشاف سبب خاص للآيات الإبليسيّة، فهي لا تدل على أيّ تقهقر واع للتوحيد، بل هي تعبير عن النظريات التي دافع عنها دائما محمد» (?) .
أية فوضى فكرية هذه؛ وأيّ تصوّر مضطرب متهافت للدين، لا هو بالمادي فيرفض الحقيقة الدينية، ولا هو بالمؤمن فيعترف ببداهتها ومسلماتها؟!
لقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كما بعث سائر الأنبياء عليهم السلام من قبله، بعقيدة واضحة كل الوضوح، صارمة أشد الصرامة، مستقيمة بيّنة لا تقبل نكوصا أو التواء، ولا تقبل تغيّرا أو تطورا تدريجيا: إنها شهادة ألاإله إلّا الله، بكل ما تعنيه هذه الشهادة من تسليم كامل بالألوهية المتفرّدة الواحدة، ورفض للتعدد بشتى صيغه وأشكاله: