الدعوة الإسلامية جاءت لكي تقلب مواضعات الحياة المكية، بما فيها الاقتصادية، رأسا على عقب.
وحول الرواية المعروفة التي يوردها الطبري وابن هشام وغيرهما، والتي تتحدث عن اجتماع الزعامة القرشية لاتخاذ موقف نهائي من الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل هجرته إلى المدينة، يثير (وات) شكّا جديدا: إن النية لم تنعقد على قتل محمد، ويستبدل بذلك- كعادته- افتراضا يراه، وهو أن محمدا ربما يكون قد رجم في مكة ذاتها بعد الاجتماع، وهو يطرح المسألة بالشكل التالي: «ليس هناك داع للشك بأنّ هذا الاجتماع قد عقد، وأن الحاضرين أدركوا أن محمدا يهيّئ مشاريع معادية لهم، كما يقول ابن إسحاق، وتوضح الحوادث التي وقعت فيما بعد بأن النية لم تنعقد على قتل محمد، لأنّ الاتفاق على ذلك لن يكون بالاجتماع كما تؤكده المصادر، ولربما كان وقوع الخطر يهدد محمدا وأتباعه برحيل محمد، ومن الصعب التأكّد من طبيعة الخطر الذي كان يهدد محمدا وأتباعه، فلقد أضيفت أشياء كثيرة على قصة الهجرة لتجميلها، حتى إن المصادر الأولى نفسها لم تخل من الإضافات، ولا يستبعد أن يكون محمد قد رجم في مكة ذاتها بعد الاجتماع» (?) .
4
إن (وات) الذي يعتمد- أحيانا- إثارة الشك في الواقعة التاريخيّة، أو نفيها إذا اقتضى الأمر، يسعى، بالاتجاه النقدي المبالغ فيه نفسه، إلى ما يقابل هذا ولا يقلّ عنه سوآ: افتراض وقائع أو استنتاجات معيّنة قد لا تدعمها حقائق السيرة ووقائعها، بل إنه يؤكد صدق رواية ضعيفة أو واقعة مدخولة ليس لها ما يؤيدها في حالة عرضها على التيار العام المتوحّد لتلك الحقائق والوقائع.