إنه إذا كان في الحالة الأولى يشكّك فيما هو أقرب إلى الصدق، فإنه في الحالة الثانية يصدق ما هو أقرب إلى الكذب.. والموقفان في حقيقة الأمر وجهان لعملة واحدة؛ هي عملة النقد الذي يتجاوز حده الإيجابي البنّاء إلى الهدم والنفي والتشكيك.. إنه يفترض- مثلا- أن الآية التي تندّد برفض السجود عند تلاوة القرآن (?) إنما هي بادرة لبعض المعارضة في صفوف المؤمنين، أو إنها نوع من الارتداد عن الدين، وهو يستعمل هذه العبارة الافتراضية: «ولربما تخيّلنا أن الآية يمكن أن تكون تلميحا ... إلى آخره» (?) .
كما يفترض أن «تجربة محمد في نخلة، عند عودته من الطائف (?) ، والتي هدأت من انحطاطه العصبي، مرحلة في حرمانه الثقة بالمجتمع الإنساني» (?) .
ولا داعي للتأكيد أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما فقد الثقة يوما بالمجتمع الإنساني، ولا عانى من أي انحطاط عصبيّ، وإنما طرح قولته المعروفة مخاطبا الله سبحانه وتعالى: (إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي) ، والتي تتضمن معنى التماسك النفسي إزاء الأحداث، والثقة المطلقة بعون الله والاستعداد المتحدّي لمواصلة الطريق.
وعن سودة بنت زمعة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم الثانية بعد خديجة، يقول (وات) : «نستطيع أن نفترض أنّ صلتها بمحمد كانت صلة خادم