إن هذا التجزيء الذي يمارسه (وات) أسوة بكثير من المستشرقين مرفوض تاريخيا وعقيديا؛ فالحركة الإسلامية حركة توحيد مطلق ينفي منذ اللحظة الأولى أي توجه وثني، وقد أدركت الزعامة القرشية هذا جيدا، ولذا فإنها كانت مستعدة للتنازل عن أي شيء، لمنح الرسول صلى الله عليه وسلم كل ما يريده إلّا هذه: شهادة ألاإله إلّا الله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في المقابل مستعدا أن يدخل في حوار مع الزعامة الوثنية في كل شيء إلّا في هذه: شهادة ألاإله إلّا الله، وما تعنيه بالضرورة من رفض مطلق للوثنية أو عبادة الأصنام.

ولا يدري المرء، إذا أخذ بوجهة نظر (وات) أين يذهب برواية البلاذري التي يشير فيها إلى اشتداد معارضة قريش للدعوة بعد تصاعد الحملات الشديدة التي راح الرسول صلى الله عليه وسلم يشنها ضد آلهتهم وأصنامهم (?) ، ولا أين يذهب برواية ابن هشام (?) والطبري (?) التي تذكر أن المشركين أخذوا- يوما- بمجامع رداء الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: أنت الذي تقول كذا وكذا في عيب آلهتنا وديننا؟ فما كان جوابه إلّا أن قال لهم: «نعم أنا الذي أقول ذلك» !! ولا برواية ابن هشام التي تتحدث عن ذلك الاجتماع الذي عقده زعماء قريش وبعثوا إلى الرسول ليكلموه.. وقالوا له: إنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام وفرّقت الجماعة.. فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسوّدك علينا..

فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا.. فإن تقبلوا مني ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015