ولكنّنا نودّ أن نشير هنا إلى دوّامة (الشكّ) التي يثيرها (وات) في لحظات (الوحي) الأولى.. إن المسألة واضحة، وقد جرت بالشكل المعروف التالي الذي تحدّثنا به عائشة رضي الله عنها: « ... حبب إليه صلى الله عليه وسلم الخلاء، فكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه، (يتعبد الليالي ذوات العدد) قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني «1» حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال:
اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (?) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (?) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (?) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زمّلوني، زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرأ قد تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجيّ هم؟
قال: نعم.. لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي» «3» .