التاريخيّة الماضية، ومحاولة تحكيم المنطق الوضعي واعتماده في تحليل مكونات تلك الوقائع، وارتباطها وتفحص طبيعة نسيجها.
وثمّة مأخذ آخر أقل ترددا في كتاب (وات) يقوم على فكرة رد بعض وقائع السيرة إلى أصول دينية سابقة، يهودية ونصرانية، فلنبدأ بالمسألة الأولى:
المبالغة في النقد، والنفي الكيفيّ، وإثارة الشكوك، واعتماد الضعيف الشاذّ ...
بعد استعراض أهم أحداث السيرة بين ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم وزواجه بخديجة رضي الله عنها وتحليلها، يقول (وات) : «تلك هي الوقائع التي تهيمن على حياة محمد قبل زواجه، من وجهة نظر المؤرخ بعض هذه الوقائع موضع جدل.. وهناك مع ذلك عدد كبير من الروايات التي يمكن تسميتها «بذات الطابع الفقهي» ، ولا شك أنها ليست حقيقة بالمعنى الواقعي للمؤرخ؛ لأنها تحاول وصف وقائع يمكن نسبتها لفترات لا حقة من حياة محمد ولكنها تعني مع تلك مغزى محمد بالنسبة للمسلمين والمؤمنين؛ فهي بذل حقيقة بالنسبة إليهم.. وتكون ملحقا مناسبا لحياة نبيهم. وربما يمكن اعتبارها كتعبير (لمن كان له عيون ترى) فرأى لو كان شاهدا لها، ويكفي أن نذكر أشهر هذه القصص كما يرويها ابن إسحاق» (?) .
ويورد وات نص رواية (الملكين) و (وبحيرى الراهب) كما يرويها ابن إسحاق، ثم يعقّب عليها بأن القارئ يجد نفسه إزاء أرضيّة مهزوزة لوقائع هذا المدى الزمني الذي يبلغ ربع القرن بين الميلاد والزواج.
أولا: لأن بعض هذه الوقائع موضع جدل.
ثانيا: لأن هناك عددا كبيرا من الروايات يمكن تسميتها بذات الطابع الفقهي، وهي ليست حقيقة بالمعنى الواقع المؤرخ، وإنما هي حقيقة فقط بالنسبة للمسلمين!!.