لكننا مع ذلك يجب ألا نذهب في حسن الظن إلى المدى.. لأن الرجل بسبب من إلحاحه على التجريب في ميدان الوقائع؛ يرغمها- أحيانا- على أن تتكلّم، على أن تقول أيّ شيء حتى لو كان مناقضا للتيّار الأوسع والأعمق لحركة العصر الذي تتدفق عبره تلك الجزئيات التاريخية.
ويقينا فإن الكثير من استنتاجات (وات) ، بإحالتها على الأرضية التاريخية الشاملة التي تنتمي إليها الوقائع التي شكّلت الاستنتاج، سوف ترتطم بالكثير من المسلّمات والبداهات!!
ولا نريد أن نواصل اتّهام الرجل بهذه الخطيئة أو تلك فنقع في مظنة المبالغة والهوى.. والأحكام المسبقة.. ولكننا بدلا من ذلك سنسعى إلى اختبار معطياته لنعرف ما إذا كانت قد تضمّنت واحدا أو أكثر من الأخطاء المنهجيّة التي مارسها معظم المستشرقين في حقل السيرة.. وحينذاك فقط يمكن أن يكون الحكم أقرب إلى الصواب.
وسيحاول البحث أن يتجنّب الدخول- قدر الإمكان- في مناقشة التفاصيل والجزئيات، أو حتى الرد أو المناقشة المتوازية مع كل مقولة قد تتضمن خطأ ما.. إنما ينصبّ الاهتمام على تحديد الجذور المنهجية وتنفيذها على الموضوع من قبل (وات) .. وقد لا يستلزم كل شاهد مناقشة أو ردا ما دام أن مهمة هذا البحث ليست دراسة حقائق السيرة، وإنما مناهج التعامل معها (?) .
إن بمقدور المرء أن يتلمس عبر قراءته لكتاب (محمد في مكة) اثنتين من تلك الثغرات المنهجية التي تتردد في معطيات المستشرقين.. تتمثّل أولاهما في ذلك الانسياق وراء النزعة النقدية التي تبلغ على أيدي بعضهم حدّ النفي الكيفي للروايات أو إثارة الشكوك حول صحتها.. وتتمثّل ثانيتهما في إسقاط الرؤية والمواضعات المعاصرة، ذات الطابع النسبي، على الوقائع