محمد في مكة (1)

1

1- النزعة الشكّيّة والافتراض والنّفي الكيفيّ

1

يبدو (مونتغمري وات) على مستوى تقنية البحث متفوّقا بمعنى الكلمة، وهو يمتلك أداة البحث ومستلزماته، ويعتمد أسلوبا نقديا مقارنا يثير الإعجاب، وقد تمكّن بواسطته من تحقيق عدد من النتائج القيّمة على مستوى السيرة. وإن كان يلح أحيانا في نزعته النقديّة، كما سنرى، الأمر الذي قاده كما قاد عددا من رفاقه وأسلافه إلى تنفيذ عملية (نفي) واسع النطاق لمساحات من حقائق السيرة المتعارف عليها.

أما في الدائرة الثانية، دائرة (الموضوعية) التي قال الرجل بأنه سيلتزمها في بحثه فإنه لم يستطع أن يتحرّر بالكلّيّة من الضغوط المضادّة وعوامل الشدّ اللامنهجية، على الرغم من أن ثمة ما يميزه في عصر المذهبية التاريخية ويحسب لصالحه، إنه لا يفترض أو يعتنق، رؤية محددة سلفا، ويأتي إلى التاريخ لكي يعيد تركيبه وفق رؤيته تلك، ويعالج وقائعه بما يجعلها تنسجم، قسرا، مع مقولات المذهب، ويفصل ويقص ويمطّ الجزئيات التاريخيّة لكي تكون على (قدّ) القالب المصنوع سلفا.. وينتقي ويتقبّل كلّ ما يتناغم مع قناعاته هذه، وما لا يكون كذلك يعزل ويستبعد.

إن الرجل يعتمد منهجا مغايرا هو أقرب إلى الموضوعية.. إنه يسعى لأن يبدأ حركته مع الوقائع التاريخية، دون أي افتراض مسبق، ثم تجيء استنتاجاته وتنظيراته مستمدة مما تقوله الوقائع نفسها، ومما تتمخض عنه مكوناتها الأساسية وعلاقاتها المتشابكة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015