الأحداث وتعلّق عليها (بعد وقوعها) ، إلا أنه بمجموعه كمبدأ «أيديولوجيّة» لا يخرج عن نطاق كونه برنامجا إلهيا شاملا ترتبط ممارساته الجزئية بكليّات شاملة محددة سلفا في علم الله.. ومن ثم فإن (الظروف الراهنة) ليست هي الحتمية المؤقتة التي تحدد مسار الإسلام وخطا رسوله صلى الله عليه وسلم. إنما هناك (الهدف) الذي يفرض أحيانا (وقفة) ضد الأعراف والظروف (وتمرّدا) عليها، و (انقلابا) شاملا على مواضعاتها.
وهذا ما يبدو واضحا منذ أول لحظة في الشعار الحاسم الذي طرحه الرسول صلى الله عليه وسلم بوجه الجاهلية (لا إله إلا الله) ، فأيّ ظرف راهن موقوت، أوحى بهذا الشعار الانقلابي الشامل الذي جاء يدمر على الوجود الجاهلي جلّ قيمه وأهدافه ومعالمه ومفاهيمه وعاداته وتقاليده؟.
إن توماس أرنولد يشير إلى ذلك بوضوح عندما يقول: «لا يعزب عن البال كيف ظهر جليا أن الإسلام حركة حديثة العهد في بلاد العرب الوثنيّة، وكيف كانت تتعارض المثل العليا في هذين المجتمعين تعارضا تاما. ذلك أن دخول الإسلام في المجتمع العربي لم يدلّ على مجرّد القضاء على قليل من عادات بربرية وحشية فحسب، وإنما كان انقلابا كاملا لمثل الحياة التي كانت من قبل.. والواقع أن المبادئ الأساسية في دعوة محمد كانت تتعارض مع ما كان ينظر إليه العرب نظرة ملؤها التقدير والإجلال، حتى ذلك الحين، كما أنها كانت تعلم حديثي العهد بالإسلام بأن يعدّو من الفضائل صفات كانوا قبل إسلامهم ينظرون إليها نظرة الاحتقار» (?) .
إن القرآن الكريم كان قضية فوقية جاءت آياته لتقود الإنسان في كل زمان ومكان إلى عصر جديد، ولم يكن ينفعل انفعالا مؤقتا بالوضع السائد سلبا وإيجابا، كما يتصوّر معظم المستشرقين مسيحيّين وماديّين (كما سنرى) ،