وإنما كان ينظر نظرة شمولية بعيدة كل البعد عن رد الفعل المباشر، وهذا هو الذي يفسر لنا الكثير من الأخطاء التي مارستها مناهج البحث الاستشراقية في كافة أجنحتها.
ونحن لا نطلب من الغربيّين هنا أن يؤمنوا أن القرآن الكريم منزل من السماء وأنّ محمدا رسول الله.. وإنما نطلب أن يكونوا أكثر تجرّدا وموضوعية فينظروا إلى سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كوحدة عضوية متكاملة.
وإلى القرآن الكريم كبرنامج عقيديّ مترابط تعلو مكوناته على الظروف الموقوته زمانا ومكانا، بالرغم من ملامساتها اليومية المباشرة للوقائع الزمانية والمكانية، ولكنها الملامسة التي تنبثق عنها قيم ودلالات ذات طابع شمولي ما كان للمستشرقين أن يغافلوا عن أبعادها.
إن هذا التصور (المسبق) يكاد يأخذ برقاب المستشرقين، ويضع بصماته العميقة على مناهجهم في التعامل مع وقائع السيرة وظاهرة النبوة.. ويحاول الدكتور جواد علي أن يبين الأسباب: «إن معظم المستشرقين النصارى هم من طبقة رجال الدين، أو من المتخرجين من كليات اللاهوت، وهم عندما يتطرّقون إلى الموضوعات الحساسة من الإسلام يحاولون جهد إمكانهم ردّها إلى أصل نصرانيّ، وطائفة المستشرقين من اليهود، وخاصة بعد تأسيس (إسرائيل) وتحكّم الصهيونية في غالبيتهم، يجهدون أنفسهم بردّ كل ما هو إسلامي وعربي لأصل يهودي، وكلتا الطائفتين في هذا الباب تبع لسلطان العواطف والأهواء» (?) .
ويلقي (طيباوي) مزيدا من الضوء على هذه العقدة المنهجية في العقل الاستشراقي وعلى دوافعها المذهبية، فيقول: «إن النظرة الأولى للإسلام