بها من سلطان، يؤكدها الواحد منهم المرّة تلو المرّة، ويجتمع القوم عليها حتى لتكاد تغدو عندهم يقينا من اليقين على الرغم من أنها بنيت أساسا على الوهم الذي تستحيل معه رؤية الحقائق، بحجمها الطبيعي، وعلى الرغم من أنها انبثقت عن زاوية رؤية ضيّقة مترعة بالتعصّب، ونظر إليها عبر منظار قد دخّن عليه سلفا، وعلى الرغم من أنها في أحسن الأحوال، قد بنيت على شواهد تاريخية ولكنها ليست- بحال- الشواهد المتواترة ذات الثقل، وإنما هي الشاذ الغريب الذي يتشبثون به لكونه يشبع في نفوسهم وعقولهم حاجة.
وعموما فإننا نستطيع أن نضع أيدينا على عدد من الأخطاء والثغرات المنهجيّة لهذه البحوث الاستشراقيّة، ونشير هنا، على وجه التحديد، إلى ثلاث من هذه الثغرات:
يكاد يكون هذا الملمح الأساسيّ في مناهج المستشرقين قاسما مشتركا أعظم بينهم جميعا.. إنهم يمضون مع شكوكهم إلى المدى، ويطرحون افتراضات لا رصيد لها من الواقع التاريخيّ، بل إنهم ينفون العديد من الروايات، لهذا السبب أو ذاك؛ بينما نجدهم يتشبّثون- في المقابل- بكل ما هو ضعيف شاذ.. «لقد غالوا في كتاباتهم في السيرة النبويّة، وأجهدوا أنفسهم في إثارة الشكوك (في وقائعها) ، وقد أثاروا الشك حتى في اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو تمكّنوا لأثاروا الشك حتى في وجوده، ولكنهم مهما قالوا في نسبة التاريخ الصحيح في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن سيرته هي أوضح وأطول سيرة نعرفها بين سير جميع الرسل والأنبياء» (?) .
ويشير درمنغهم إلى هذه المسألة فيقول: «من المؤسف حقا أن غالى بعض هؤلاء المتخصّصين- من أمثال: موير ومرغوليوث ونولدكه وشبرنجر