تمثل تلك الوقعة البحرية - وجاء من ألمانيا الإمبراطور لويس الثاني وأرجعهم إلى باري وتورنتو (866) ولكنهم عادوا - وقد احتل أصحابهم قصر بأنه (859) - ومالطة (870) إلى تهديد رومه (872) واضطروا البابا يوحنا الثامن إلى تأدية نحو 25 ألف رطل من الفضة جزية مدة سنتين (?)، وأغاروا على كامبانيا (876) وفتحوا سرقوسة (878) واستعاد باسيل الأول الإمبراطور البيزنطي تورنتو منهم (880) فلم يعبأوا بل استأنفوا غاراتهم فأحرقوا دير مونتي كاسينو ودمروه عن آخره (884) وبلغوا رغوصة في يوغسلافيا فحاصروا مرفأها مدة ثم ارتدوا عنه. ونشرت قاعدتهم الحربية التي أنشأوها في جوار جليانو (882 - 915) الرعب في كامبانيا وجنوب لاثيوم حتى اجتمعت عليهم قوات البابا وإمبراطوري ألمانيا وبيزنطية ومدن إيطاليا الوسطى والجنوبية فهزمتهم على نهر كرجليانو (916) وأجلتهم عن إيطاليا إلى صقلية. وما زالت أبراجهم التي كانت تذيع أنباء وصول أساطيلهم من صقلية وشمالي أفريقيا قائمة على شاطئ نابولي الجنوبي.
وتبع أمراء صقلية أغالبة القيروان حتى إذا ظهرت عليهم الخلافة الفاطمية في شمالي أفريقيا، استقل أمراء صقلية عنها وخطبوا للخليفة العباسي المقتدر (912 - 916) ثم استعادها الفاطميون (917) واتخذوها قاعدة بحرية لحملاتهم على البندقية، وعلى جنوى التي استباحوها (935) (?) واستعمل المنصور ثالث الحلفاء الفاطميين حسن بن على الكلى على صقلية فأسس فيها الدولة الكلبية.
وقد جلب المسلمون إلى صقلية: البرتقال والتوت والزيتون وقصب السكر والنخيل والقطن والكتان، ووسعوا رقعة الأرض المنزرعة فيها، وما زال كثير من ينابيعها يحمل أسماء عربية حتى اليوم، وجعلوا من بالرمو ثغراً تجارياً خطيراً بين أوربا وبين شمالي أفريقيا. ولما سقطت الدولة الكلبية (1040) انقسم المسلمون على أنفسهم فحكم بالرمو مجلس من الأعيان وسائر الجزيرة أمراء محليون انصرفوا إلى شهواتهم، وخلف التدخل البيزنطي أثره فيهم فمهد للفتح النورماني إذ كان حجاج القدس وجلهم من النورمان عائدين عن طريق إيطاليا فاستعان بهم كونت