والحجارة الكريمة ... وفيها مدن عامرة تزينها الهياكل الجميلة والقصور». ومن أشهر ملوكها ملكة سبأ (?) التي عاصرت سليمان الحكيم ومما حملت إليه مائة وعشرون وزنة ذهب.
وقد خلدت اليمن حضارتها تلك في عادياتها وما سجلته على نقوشها (الرقم) بلغتها الجنوبية المحتوية على تسعة وعشرين حرفاً والمشهرة بالخط المسند المشتق من الخط الكوفي ذي الاثنين والعشرين حرفاً. وأول من كشف عنها ووصفها وصفاً علمياً نيبهر الدانمركي في بضعة كتب (1772 - 1778) وتبعه من العلماء كثيرون أشهرهم أرنو الذي كشف عن الحروف العربية الجنوبية لأول مرة (1845) وجلازر النمسوي الذي نقل في رحلاته العلمية (1882 - 1894) 1032 نقشاً، بينها نقوش تاريخية ودينية وجنائزية وقانونية وعسكرية ومعمارية أضحت بعد نشر جزء منها أصدق مصدر لتاريخ اليمن قبل الإسلام.
ونزل الأنباط، من شمالي شبه الجزيرة العربية، بأرض الأدوميين - المعروفة اليوم بوادي موسى في شرقي الأردن - قبائل رحل (حوالي 600 ق. م) ثم تحولوا إلى مجتمع متحضر وجعلوا عاصمتهم البتراء - ومعناها باليونانية الصخرة، وكانت المدينة الوحيدة ذات المياه العذبة الغزيرة بين الأردن وبين الحجاز - سوق تجارة رائجة، تلتقي عندها قوافل الشرق وتنطلق سلعها منها إلى ثغور البحر الأبيض المتوسط، طوال أربعمائة سنة.
وقام الحارث الأول (169 ق. م) على رأس قائمة ملوك الأنباط، ومكن لهم الحارث الثالث (87 - 62 ق. م) فهزم إسرائيل وحاصر أورشليم وفتح دمشق وتوج عليها ملكاً (85 ق. م) وسك أول نقد نبطي، وصد هجوم بومبي ثم أصبح وخلفاؤه حلفاء رومة فاستعانت بهم على اجتياح الإسكندرية، وأيد عبيدة الثاني (28 - 9 ق. م) حملتها على اليمن. وبلغت البتراء الذروة في عهد الحارث الرابع (9 ق. م - 40 م) فزوج ابنته من الحاكم هيرودس بن هيرودس الكبير