للنقود ومفوضاً في أمورها (1791) حتى إذا اندلعت نار الثورة انزوي في بري، وهي قرية صغيرة، بين عائلته وبستانه وأبحاثه، ومنها الدروز وديانتهم في لبنان -وكان أحد أطباء لبنان، وقد قصد باريس سنة 1700 وأهدى مليكها لويس الرابع عشر أربع مخطوطات عربية عن الديانة الدرزية فكلف الملك ترجمانه فرنسوا بي دى لاكروا نقلها إلى الفرنسية ففعل، لكنها ظلت غير مفهومة لما فيها من مصطلحات صوفية - فنقل مستشرقنا المجلدات الأربعة وأراد أن يلحقها بمصنف عن أصل الدروز والآراء في عقيدتهم وفلسفهم ثم أرجأه لنقص في مصادره.
ولما خمدت الثورة رأى مجلس الديركتوار أنه في حاجة إلى اللغات الشرقية فأقرها وانتدب دي ساسي أستاذاً للعربية في مدرسة اللغات الشرقية ولم يكن لها من قواعد سوي كتاب إربانيوس فرجع إلى الأئمة الأقدمين في المدرستين الكوفية والبصرية لتصنيف: التحفة السنية في علم العربية، في جزءين، وكان يمليه على تلاميذه، حتى إذا تجمع له نشره (1799) ثم اتسع علمه ووقته فأعاد طبعه منقحاً مزيداً (1804) فتهافت المستشرقون عليه، فتكرر طبعه وترجم إلى الإنجليزية والألمانية والدانمركية. وكانت حكومة الثورة قد أقرت (25 من تشرين الأول/ أكتوبر 1795) فتح أبواب المجامع العلمية المغلقة وأعادت فيمن أعادت إليها من أعضائها دي ساسي إلا أنها اشترطت عليهم يمين الإخلاص للجمهورية فاستعفي مترجمنا من المجمع والتدريس فأعفته من الأول فحسب وعينته أستاذاً للفارسية في معهد فرنسا (1806) وفي سنة 1808 انتخبته مقاطعة السين عضواً في الهيئة التشريعية، رلقب بلقب بارون بأمر إمبراطوري (1813) جزاء جهوده وخدماته. ثم عاون على إسقاط نابوليون الأول (1814) فأنعمت عليه الملكية (1815) بلقب رئيس جامعة باريس. وفي سنة 1822 ألف بمساعدة راميزا وتلاميذه، ومريديه الجمعية الآسيوية وأنشأ مجلتها الشهيرة فانتخب رئيساً لها، وقام على رئاستها ست عشرة سنة. وعين مديرة المدرسة ديوان فرنسا (1823) ومديراً المدرسة اللغات الشرقية (1833) ثم أخرج جزءين من ديانة الدروز وكان القبر أسبق إليه من الجزء الثالث فسقط سقطة إعياء أودت به في 21 من شباط / فبراير، سنة 1838. بعد أن قضى حياته في خدمة الاستشراق بالتعليم والتصنيف والترجمة والتحقيق