ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" وقال: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه" إلى أمثال ذلك، وقال: "أدوا لهم الذي لهم واسألوا الله الذي لكم" و"نهى عن قتالهم ما صلوا" وذلك لأن معهم أصل الدين المقصود وهو توحيد الله وعبادته، ومعهم حسنات وترك لسيئات كثيرة.
وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال بما فيه ظلم وجور، كما هو عادة أكثر النفوس يزيل الشر بما هـ شر منه، ويزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصير عليه، كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور المنهي في مواضع كثيرة كقوله: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [17/31] ، وقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [35/46] وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [48/52] ، وهذا عام في ولاة الأمور وفي الرعية إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فعليهم أن يصبروا على ما أصيبوا به في ذات الله كما يصبر المجاهدون على ما يصاب من أنفسهم وأموالهم، فالصبر على الأذى في العرض أولى وأولى، وذلك لأن مصلحة الأمر والنهي لا تتم إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقد يندرج في ذلك ولاة الأمور فإن عليهم من الصبر والحلم ما ليس على غيرهم، كما أن عليهم من الشجاعة والسماحة ما ليس على غيرهم؛ لأن مصلحة الإمارة لا تتم إلا بذلك، فكما وجب على الأئمة الصبر على أذى الرعية وظلمها إذا لم تتم المصلحة إلا بذلك أو كان تركه يفضي إلى فساد أكثر منه.