فإن قيل: إنّه قد رُوِيَ في حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ؛ أنّه قال: نَهى رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - عنِ الصَّلاةِ بعدَ الزَّوالِ إلَّا يومَ الجُمعةِ (?).
قلنا: هذا حديثٌ باطلٌ، والعمدةُ فيه ما قدّمناهُ من قول من قال: إنَّ الفعلَ مختصٌّ بالنَّبيِّ لا يتعدّاه إلى غيره إلَّا بدليلِ، فَبَقِيَ النَّهيُ على حالِهِ، وبَقِيَ فِعْلُ النَّبِيِّ مختصًّا بحالِهِ وبِصِفَتِهِ، وَيعتَضِدُ ذلك بضَرْبِ عمرَ بن الخطّاب - رضي الله عنه -عليها النّاس (?)، ولو كان ذلك من شرائعِ الدِّينِ ما ضَرَبَ عمرُ، ولا أَقَرَّتْهُ الصّحابةُ على ذلك.
وأمّا حديثُ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - الّذي فيه: "لا تَمْنَعُوا أحَدًا طافَ بهذا البيتِ أنّ يُصَلِّيَ أَيَّةَ ساعةٍ شاءَ من لَيلٍ أو نَهَارٍ" (?) فإنّه عامٌّ يَخُصُّهُ ما تقدَّمَ من الأحاديثِ.
وأمّا ما قاله الدَّارقطنيُّ: "إلَّا بمَكَّةَ" فإنّه لا يَصِحُّ، فلا يُشتَغَلُ بِهِ.
نكتةٌ أصوليّةٌ (?):
قال الإمام الحافظ - رضي الله عنه -: لا خلافَ بين المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ من العلماء أنّ العامَّ والخاصَّ إذا تَنَافَيَا فإنّهما يتعارضَانِ، كقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (?) فإنّه أمرٌ بالقتلِ، وكقوله: إنّه نَهَى عن قتل النِّساءِ والصِّبيَانِ (?). وذلك منعٌ من القتلِ، مُخرِجٌ للمرأةِ عن قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (?) بنَصِّ عن نَصِّ، ومُخرِجٌ لقتل الصِّبيان (?) عن قتل المشركين بظاهرٍ عن نصِّ.