قال الإمام: ظاهرُ هذه الآية مُحَالٌ؛ فإن الله تعالى لا يُحَارَبُ ولا يغَالَبُ ولا يشَاق ولا يحَادّ، لوجهين:
أحدُهما: ما هو عليه من صفاتِ الجلالِ، وعمومِ القُدرةِ والإرادةِ على الكمالِ، وما وجبَ له من التّنزيه عن الأضدادِ والأندادِ.
والوجهُ الثّاني: أنّ ذلك يقتضي أنّ يكون كلُّ واحد من المحاربين في جهةٍ وفريقٍ عن الآخرِ، والجهةُ على الله تعالى محالٌ، وقال جماعةٌ من المفسِّرين لما وجب من حَملِ الآية على المجاز: أنّ معنى: {يُحَارِبُونَ اللَّهَ} (?) أي: أولياء الله، وعبَّرَ بنفسه العزيز سبحانه عن أوليائه إكبارًا لإذايتهم، كما عَبَّرَ بنفسه عن الفقراء في قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} الآية (?)، لُطْفًا بهم ورحمةً لهم، وكَشَفَ الغطاءَ عنه بقوله في الحديث الصّحيح: "عبدي مَرِضتُ فلم تعُدنِي، وجُعتُ فلم تُطعِمني، وعَطشتُ فلم تَسقِنِي" الحديث (?)، وذلك كلّه على البارئ سبحانه مُحَالٌ، ولكنّه كنى بذلك عنه تشريفًا له.
وفي هذا المَعقِدِ جملة مسائل:
المسألة الأولى (?): في حقيقة الحرابة
قال المفسِّرونَ: إنَّ الحِرَابَةَ هي الكُفْر، وهو معنى صحيح؛ لأنّ الكُفرَ يبعث على الحَرْبِ.
واختلف المفسّرون فيمن نزلت:
قيل: نزلت في المشركين، نقضوا العَهدَ، وأخافوا السَّبِيلَ، وأفسدوا في الأرضِ (?).