لا تناطُ بمثله إباحةُ المحظوراتِ، وإنّما عوَّلَ مالكٌ في هذه الرِّوايةِ على المصلحةِ، وهي أحدُ أركانِ أصولِ الفقهِ على ما بينًاهُ، وذلك أنا نقولُ -وهو يجمعُ المسألتين في دليل واحد-: إنَّ المصلحة تقتضي إذا سرَقَ أنّ تُقْطَع يمينُه الّتي بها يَتناولُ ما لا يَحِلُّ له، تنقيصًا لبَطشِهِ، الّذي جَعَلَهُ اللهُ له قوّةً على الطّاعة فَصَرَفهُ إلى المعصية. فإذا عاد إلى السّرقةِ ثانيةً، اقتضمت المصلحةُ أنّ يُنقَضَ سَعيُهُ الّذي به توصَّلَ إلى البَطشِ ليُستَوفَى حقّ العقوبة، ويَبقَى له في البَطشِ جارحةٌ. فإذا عاد الثّالثةَ إلى السَّرقةِ، علمنا أنّ بَطشَهُ فَسَدَ بتَعَدِّيهِ. فإذا سرَقَ الرّابعةَ، تبيَّنَ أنّ سَعيَهُ فَسَدَ بتعدِّيهِ. فإذا سرَقَ الخامسةَ، تبيَّن أنّها نفسٌ خبيثةٌ لا تَتَّعِظُ بنفسِها، ولا ترتَدِعُ بما فقدت من جوارِحِهَا، فلم يبقَ إِلَّا إتلافُها.

المعقِدُ الثالثَ عَشرَ:

لم يخفَ على ذي لبٍّ أنّ الله تعالى إنّما وضَع هذه العقوباتِ في الأبدانِ روادعَ وزواجرَ، فهِمَ ذلك الخَلقُ من تَنْبِيه الله لهم عليه، وتعريفِهم به، ولذلك قلنا: إنَّ الجماعة إذا قَتَلُوا الواحدَ قُتِلُوا به حِفْظًا لقاعدة الدّماء، لئلَّا يستعين الاعداءُ بالجماعةِ على الأعداءِ، فَيَبلُغُوا غرضَهم من التَّشَفِّي، وتسقُط عنهم عقوبةُ القِصَاصِ. وهذا المعنى يقتمحي أنّ الجماعةَ إذا سرَقُوا حِرزًا أنّه يُقطع جميعُهم، حِفظًا لقاعدةِ الأموال، لئلّا يستعينَ الفَسَقَةُ على أخذ الأموال بالاشتراك، رجاءَ سقوطِ القَطعِ.

المَعقِدُ الرّابعَ عَشر: في الحِرَابَةِ (?)

قال الله العظيم: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015