وأمّا عَدَمُ الحِرزِ، فظاهرٌ؛ لأنّه لم يُجعلِ التّرابُ عليه ليرجِعَ إليه*.
قلنا: أمّا تحقيقُ السَّرقةِ، فهي فيه لا شك موجودةٌ، وهو من جملة السّرقة، ولكنّه يختصُّ باسم النَّبَّاش، اشتُقَّ له هذا الاسم من فعلِه.
وأمّا قولُه: "إنّه ليس هنالك عين تَلحَظُهُ"، فليس ذلك من شروط السّرقة، بدليل أنّ البلدَ إذا شَغَرَ أهلُه في يوم عيدٍ، أو لحادثٍ يحتاجون إلى التَّبرُّز له، فسرَقَ سارقٌ من المنزلِ، حينئذٍ يجب عليه القطعُ إجماعًا، وليس هنالك حافظٌ ولا بصرٌ لَاحظٌ.
وأمّا القبرُ، فإنّه حرزٌ قرَآنَا وسُنَّةً وعادةً.
أنا القرآن، فقدله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} (?) فامتَنَّ سبحانه علينا بأن جعلَ الأرضَ كِفَاتَا في حالة الحياة والمَمَاتِ، وسَوَّى بين الموضعين، وَوُجِدتِ المنفعةُ بذلك في الوجهين من الاكتنازِ والاستتارِ، حالة الحياةِ والمَمَاتِ.
وأمّا السُّنَّةُ، فهو الحديثُ، وهو قولُه - صلّى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ المُخْتَفِيَ وَالمُختَفِيةَ" (?).
وأمّا العادةُ، فإن الحِرزَ في الأشياء باتِّفاقٍ ليس بابًا واحدًا، وإنّما هو في كلِّ شيءٍ بِقَدْرِهِ، وقد تقدّم الكلامُ عليه في "كتاب الجنائز" بأَوعَبِ كلامٍ.
المَعقِدُ الثّامنُ:
قال الشّافعيُّ (?): ليس إيجابُ القطع يُسقِطُ العَزم؛ لأنّهما حقّان لمستحِقَّينِ مختَلِفَينِ في مَحِلَّينِ متغايِرَيْنِ، فجازَ أنّ يجتمعا، أصَلُه الدِّيَةُ والكفّارةُ.
قال أبو حنيفة (?): لا يجتمعُ القطعُ والغُرمُ.