وأمّا الدّليل الّذي دلّ على سقوط الوجوب فيها، فهو أنّ العِتقَ -وهو الأصل- لا يجب فضلًا عن الفرع وهي الكتابة، ولذلك قال علماؤنا: إنها رخصةٌ مستثناةٌ من جميع المعاملات؛ لأنّ السَّيِّد يبيع فيها ماله بماله، ولا يصحّ أنّ يُجبَرَ العبدُ عليها، وإنّما تكون برضاه، فإذا عقدها مع سيِّدِه لزمته عند جمهور العلماء.

وقال الشّافعيّ (?): يجوز له أنّ يتركها متى شاء، وقال بذلك جماعة من المتقدِّمين، واحتجّوا على ذلك بحديث بريرة، قولُه فيه: "فجاءَت أَهلهَا فَبَاعُوها" خرَّجه البخاريّ (?).

قلنا: لم يبع أهل بريرة رقبة بريرة، وإنّما باعوا كتابتها، ولأجل ذلك قالت عائشة في الحديث: "إنْ أحَبَّ أَهلُكِ أنّ أعُدَّها لَهُم عَدَّةً واحِدَةً فَعَلتُ" فهذا الّذي يقتضيه حديث بريرة. وإن كان العلماء اختلفوا في بيع الكتابة، فكره ذلك الشّافعيّ (?) وابن الماجِشُون ورَبِيعَة، وحديث عائشة نصٌّ في جوازه.

فإن قيل: إنَّ بريرة كانت عجزت، وإذا عجز المكاتَب رقَّ.

قلنا: هذه دَعوَى وزيادةٌ في الحديث.

وأيضًا: فإنَّ عجزها لا يكون إِلَّا عند الحاكم، وأمّا بقوله فلا يسمع؛ لأنّه ليس له أنّ يرقّ نفسه، إذ قد ثبت له حقّ الحرِّيَّة.

وأمّا إيتاء المال، فقال الشّافعيّ وغيره: إنّه واجبٌ عليه، ويحطّ له من آخر نجومه نجمًا واحدًا من أجزاء الكتابة. وحمل قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} الآية (?)، على الوجوب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015