وقال علماونا: ليس الإيتاء واجبًا. واحتجُّوا على ذلك بالأدلَّة المعروفة، وليس الأمر كذلك، بل إيتاء الحقِّ إلى المكاتَب واجبٌ بإجماعِ الأُمَّة، إِلَّا أنّ قوله تعالى: {مِنْ مَالِ اللَّهِ} (?) يحتمل أنّ يريد به: الّذي بيد السَّيِّد، ويحتمل أنّ يريد به: من مال الله الّذي هو الزَّكاة، ويحتمل أنّ يريد به: من مال الله الّذي هو لجماعة المسلمين في أيديهم، فإنّ عَونَ المكاتَبِ فرضٌ على الكفاية. ومع هذه الاحتمالات، لا يصحُّ للشّافعيُّ ولا لغيره أنّ يقول: الإيتاء واجبٌ من الكتابة دون سائر المحتملات.
تفريع (?):
إذا عقد الكتابةَ لجماعةٍ من عبيدِهِ في عقدٍ واحدٍ، فإن بعضَهم حُمَلَاءُ عن بعض، وقال الشّافعيّ (?): لا يحمل أحدٌ عن أحدٍ شيئًا؛ لأنّه ضمانُ كتابةٍ، فلا يجوز، كضمان الأجنبيّ. فنظر الشّافعيّ إلى الأجنبي، ونظر علماؤنا إلى عَقدِ الكتابة بين القرابة، وخصوصًا الأبناء، يحمل بعضهم عن بعض، ولو يكن ضمان بعضهم عن بعضٍ لأجل القرابة، فإنّه لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أخرَى، ولا يلزم قريبًا عن قريبه مال بغير رِضَاه في شيءٍ من أحكام الشّرع، ما خَلَا العاقلة المستثناة بإجماع. فدلَّ على أنّ ذلك إنّما كان بعَقدِ الكتابة، وذلك يستوي فيه القريب والبعيد. وفروع هذا الباب كثيرة، وهي مركَّبة عليه من غيره، لِمَا يدخل عليها من شَرْطٍ، أو ولاءٍ، أو حمالةٍ، أو وصيَّةٍ، أو صفة لمقابلة، أو جراح تطرأ فيه، أو بيعٍ يقع في كتابته بما يجوز أو لا يجوز، واختلاف السَّيِّدَين بعد عَقد الكتابة واتّفاقهما. وهذا كلّه معلومٌ في أبوابه، مضبوطٌ بأصولِهِ، وهي من فنِّ التّركيب والتّعليل