الأصول (?):
أذنَ الله تعالى في الكتابة رحمةً للخَلقِ، وحالةً متوسطةً بين السّادةِ والعبيدِ؛ لأنّ السَّيِّد ربّما شقَّ عليه أنّ يخرج قيمة العبد عن ملكه، وربَّما لم يثق بالعبد في أداء خراجه، فيريد أنّ يجتهدَ العبدُ في أداء المالِ لقصدِ الحرِّيَّة، فيحصل لكلِّ واحدٍ منهما مقصوده. وربّما كره بقاءه في ملكه، وإن كان مجتهدًا في أداء كسبه فيخرجه عن يده، ويقتنع بالقيمة. وقد يكون راغبًا في عبده، ولكن يرى فيه من الأمر ما يحمله على عتقه، وإن سمحت نفسه بذلك أنفذ له الحريّة، وإن شحّ على ماله باعه على نفسه وهي الكتابة. قال الله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} الآية (?).
قال بعض المفسرين: الكتابة واجبةٌ؛ لأنّ الله تعالى أمر بذلك أمرًا مطلقًا، والأمر المُطلَقُ محمولٌ على الوجوب.
قال علماؤنا: كذلك نقول إنَّ لم تقم قرينة تصرفه عن الوجوب، أو يدلُّ على سقوط الوجوب دليلٌ، وههنا قرينة، وهي قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (?) فصرفَ الأمر إلى عِلم المأمور، والتّكاليف الجازمة والأوامر الواجبة لا تقف على خِيَرَةِ المكلَّف وعلمه.