وقال الشّافعىُّ (?): يستَوفِي الرَّاهِنُ عند نفسه منافعَ الرَّهْن؛ لأنّ الرَّهنَ قد صحَّ ولَزِمَ بالقبضِ الأوّلِ، فلا يحتاجُ إلى الاستدامةِ.
قال الإمام: فأمّا قولُ أبي حنيفة فمخالِفٌ للحديث والأصولٍ والنَّظَرِ، أمّا الحديثُ فمن ثلاثةِ أوّجُهٍ:
أحدُها - وهي القاعدةُ-: أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- "نَهَى عن إضاعةِ المالِ.
وما رَوَى البخاريُّ: "أَنَّ الرَّهْنَ مَحْلُوبٌ وَمَركُوبٌ" يناقضُ قولَه: "الرَّهنُ عَطَلٌ" وهو الثّاني.
وأمّا الحديث الثّالث فهو: "لَهُ غُنمُه وَعَلَيهِ غُرْمُهُ".
وأمّا "الأصولُ" فكلُّ مالِكٍ أحقُّ بمِلكِهِ، وكلُّ ذي حقِّ لا يُحَالُ بينَه وبين حقِّه في مسائلِ الشّريعةِ كلِّها.
وأمّا "النَّظَرُ" فليس من المصلحة للخَلق، ولا مِنْ شُكرِ نِعَمِ الخَالِقٍ، أنّ تُترَك النِّعَمُ سُدىً حتّى تَتوَى (?).
وأمّا قولُ الشّافعيِّ: "إنَّ الرَّهنَ يَرجِعُ إلى صاحِبِه" ففي ذلك إبطالٌ لِحَقِّ المُرتَهِن أو تعريضُه للآفات، وذلك لا يجوزُ.
والصّحيحُ ما قاله مالك من أنّ المَنافع تبقَى في يد المُرْتَهِن *مع الأصل؛ فإنْ شاءَ الرّاهنُ أنّ يَستَوفِيَهَا تحت يد المُرتَهِن بنَفسِهِ استوفاها*، وإن شاء أنّ يُنيبَ من يَستَوفِيها لَهُ فَعَلَ، فبهذا يصلُ كلُّ ذي مِلكٍ إلى مِلكِهِ، ويبقَى كلّ ذي حقٍّ محفوظًا على صاحبه.
وأمّا قوله: " الرَّهنُ مَحلُوبٌ وَمَركُوبٌ" فهذه إشارةٌ إلى ما قلنا من أنّ المنافعَ لا تبقَى مُعَطَّلَةً.
وأمّا قولُه: "يَركَبُ بِنَفَقَتِهِ وُيحلَبُ بِنَفَقَتِهِ" فإنّ ذلك محمولٌ على بقيَّةِ عادةٍ كانت