فالاعتكافُ عملٌ من الأعمال، فلا يجزئ بغير نيةٍ، كما أنّه ينوي بالصِّيام اعتقاد القُرْبَة إلى الله بِأَدَاءِ ما افْتَرَضَ الله عليه من استغراقِ طرفَي النّهار.
المسألة الثّالثة (?):
وأن يعتقدَ فيه (?) أنّه عمل، لما قيل فيه إنّه الصّلاة، وقراءة القرآن، وذِكْر الله تعالى، دون سواه من أعمال البرّ، وهو مذهب ابن القاسم؛ لأنّه لا يُجَوِّز للمُعْتكِفِ عيادة المريض ولا مدارسة العلّم، ولا الصّلاة على الجنائز وإن كان ذلك من أعمال البرّ.
وقيل: إنّه يجوز أنّ يفعل جميع أعمال البرّ المختصة بالآخرة، وهو مذهب ابن وهب؛ لأنّه لا يرى بأسًا للمُعْتكِفِ بمُدَارَسَةِ العِلْمِ، وعيَادَةِ المَريضِ في موضع معتكفه، وكذلك الصّلاة على الجنائز على مذهبه، إذا انتهى إليه زحام النَّاس الّذين يصلّون عليها.
وإذا قلنا: إنّه من الأعمال المختصّة بالآخرة، فإنّه يجوز الحكم بين النّاس والإصلاح بينهم؛ لأنّه من أعمال الآخرة.
المسألةُ الرّابعة (?):
أمّا الصّوم، فليس لأحدٍ من علمائنا فيه على وجوب الصِّيام دليل به (?) احتفال، وأكثر ما عوَّلَ عليه مالك (?) فيه، قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (?) فخاطبَ بذلك الصّائمين، وهذا لا حُجة فيه؛ لأنّه خطابٌ خرجَ عن حالٍ، فلا يلزم (?) أنّ يكون شرطًا (?) في جميع الأحوال. وقد اعْتكفَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - عشرًا من شوّال (?)، ولم يذكر فعل الصِّيام ولا تَرْكَهُ، فالمسألةُ عسيرة المأخذ في الشّريعة، والّذى عندي فيه؛ أنّ الاعتكافَ هو ملازمة المسجد بالنِّيَّةِ، فالنِّيَّةُ تقطع قلبه عن الدَّنيِا وعلائقها، والمسجد يمنع بَدَنه عن الاشتغال باشغالها؛ لأنّ المساجدَ بيوتٌ الله، أذِنَ الله أنّ تُرْفَعَ