ويذكر فيها اسمُهُ، ليس فيها عمل في غيره، فلا يجوز له أنّ يفعل من الدُّنيا إِلَّا ضرورة الآدميَّة، وهي الطّعام والشّراب، فمنعَ من الأكل نهارًا؛ لأنّه أحد الأسباب المنقطعة عن الدُّنيا، ومنع من الخروج عن المسجد إِلَّا لحاجةِ الإنسانِ ولتحصيل القوت، ومنعه مالك تَفَطُّنًا لهذه الدَّقِيقَةِ.
المسألة الخامسة (?):
الموضع وهو المسجد، لقوله: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (?) واختلفَ علماؤنا هل يكون في كلِّ مسجد، أو في بعض المساجد دون بعض؟ فالمشهور من مذهب مالك أنَّ الاعتكاف يصحّ في كلِّ مسجدٍ، وأنّه لا بَأسَ به في كلِّ مسجدٍ لا تُجْمَعُ فيه الجُمُعَة إذا كان ممّن لا تلزمه الجمعة، أو بموضع لا يلزم منه إتيان الجمعة.
ودليل مالك: قوله: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (?) فعمّها ولم يخصّ منها شيئًا دون شيْءٍ، وخالَفَهُ ابن عبد الحَكَم، وقال: لا يصحّ إِلَّا في المسجد الجامع، وهذا قول جماعة من السَّلَفِ، روي عن حُذَيْفَة بن اليمان وسعيد بن المسيَّب؛ أنّ الاعتكاف لا يكون إِلَّا في مسجد نبيٍّ كمسجد النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - ومسجد إيليا والبيت الحرام.
والمرأة والرَّجُل في ذلك سواءٌ عند مالك، خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه، فإن المرأة لا تعتكف عنده إِلَّا في مسجد بَيْتِها (?)، وحجته: قوله: "لا تسافر المرأةُ مسيرة يَوْمِ وليلةٍ إِلَّا مع ذي مَحْرَمٍ" (?).
المسألة السّادسة:
وأدنى الاعتكاف يوم وليلة، وأعلاهُ عشرة أيام، هذا هو مذهب مالك.
وأفضلُ الشهور للاعتكاف شهر رمضان. وأفضل أيّامه العشر الأواخر منه.
روي أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأواخر منه والعشر الأوّل، فأتاه جبريل - صلّى الله عليه وسلم -، فقال له: إنّ الّذي تطلب أمامك فاعتكف العشر الأواخر.