وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم ... فقال له ملوك الفرنج: لو كان هذا قسيسنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتهما ...) (?).

ثم أفرج عنه فهاجر إلى القاهرة، فولاه ملكها نجم الدين أيوب خطة القضاء في مصر فأعطى للقضاء حرمته وهيبته، حيث أراد أن يجعل القضاء مستقلا عن تدخلات الأمراء.

ومن مواقفه أنه أراد بيع الأمراء المماليك، وقال لهم أنكم مملوكون للأمة أبيعكم في الأسواق أمام الملأ بالمزاد وأجعل ثمنكم في بيت مال المسلمين، فشق ذلك عليهم - وهم الأمراء - ولما حضرت العامة لتبايع الملك الظاهر ركن الدين أبا الفتح بيبرس أبى أن يبايعه - وهو القاضي - فقال له: يا ركن الدين أنا أعرف أنك مملوك "البندقدارى". ولم يبايعه حتى جاء من شهد له بالخروج عن ملك البندقدارى إلى الملك نجم الدين أيوب وهذا أعتقه، ولما قامت عنده هذه البينة العادلة بايعه، وفي مدة توليه القضاء بمصر بني بعض الأمراء بيتا فوق سطح مسجد بمصر أعده لغير مصلحة المسجد، فأنكر ذلك عليه سلطان العلماء واعتبره إهانة لبيت، من بيوت الله، وحكم بفسق من فعل ذلك وجاء بجماعة إلى ذلك البيت وهدمه، ثم أقال نفسه من منصب القضاء ولزم بيته إلى أن توفي في جمادى الأولى سنة (660) هـ عن ثلاث وثمانين سنة قضاها في خدمة العلم والدين، أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر رحمه الله ورضي عنه.

هذه مواقف وقفها بعض العلماء الأعلام في وجه من حاول من الحكام إهانة الدين والعلم، وفي بعضها توقير بعض الأمراء للعلماء واحترامهم والأخذ برأيهم والامتثال لنصائحهم، وفق الله العلماء لإعزاز الإسلام، وهدى الأمراء والحكام لنصرة الحق والدين، وفي هذا وذلك خير الجميع.

ويعجبني في العلماء العاملين اعتزازهم بعلمهم، وشحهم بدينهم، وحفظهم لكرامتهم من الابتذال.

وتجمع هذه المعاني أبيات من قصيدة القاضي الشيخ أبى الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني رحمه الله وهي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015