والبعض قال في المؤسسة التي لها إشراف - محدود - على الشؤون الدينية:
أنها لا تنتج، وهو يعني أنها لا تأتي بالفائدة لصندوق الدولة كما في شجرة العنب مثلا - فإنها تدر على صندوق الدولة - من الخمر - بالأرباح الوافرة، وهذه الآراء والأقوال في مجموعها دليل على ما في النفوس من تقدير واحترام للدين وجهل بما يأتي به الدين للأمة - من خيري الدنيا والآخرة - وما يتركه في نفوس المسلمين من الخلق الكريم، والاستقامة على المنهج القويم، والمعروف لدى العارفين أن الدين يشارك جميع الوزارات في أعمالها، فهو مع الداخلية في الأمن وغيره، وهو مع الخارجية في الاتصالات وغيرها وهو مع التربية والتعليم في التهذيب، ومع العدل في الاستقامة، ومع المالية في الاقتصاد، وكذا يقال في جميع أجهزة الدولة، لكن لو وجد من يعرفه ويعمل به ويرعاه حق رعايته.
نعود من قريب إلى شجرة - العنب - ففيها العبرة البالغة لمن أراد أن يعتبر.
دلت هذه العبرة على رحمة الله بهذه الأمة الجزائرية المسلمة، لو وجدت من يفهمها حق فهمها، وهي بينة جلية في قوله عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (?).
أمتنا الجزائرية أمة مسلمة - عقيدة وعملا - ابتلاها الله بدولة استعمارية كافرة قوية استحوذت على أرضها بالقوة، وأعطتها لأبنائها، فاستغلوها، وفعلوا فيها ما فعلوه في أرضهم وبلادهم، وحسب شهواتهم، فأكثروا فيها من غراسة أشجار الكروم - العنب - ليعصروها خمرا، وفعلا نجحوا فيها نجاحا كبيرا، وربحوا منها أرباحا طائلة، ولما أراد الله اليقظة لأمتنا - بعد نوم طويل - وجاء وقت اليقظة والانتباه، قامت واستيقظت من نومها، وطالبت بحقها في أرضها، فلم يلب المحتل لها رغبة، ولم يسمع لها صوتا، عند هذا حملت السلاح واتحدت - معظمها - سنة 1954 وخاضتها حربا شعواء ضروسا دامت سبع سنوات ونيفا، وبعد تضحيات كبيرة وصلت إلى هدفها، ونالت ما أرادت - وهو الاستقلال - وفي أثناء الثورة المسلحة،