حقيقة - لا شك فيها - لم تجعل الاشتراكية الفقراء أغنياء كما يتوهم ذلك بعض البسطاء في التفكير، بل صيرت الأغنياء فقراء، فلم ترفع الفقراء إلى مستوى الأغنياء لتريحهم من ألم الفقر والحاجة، بل نزلت بالأغنياء إلى درك الفقراء - وهذا من أهم مقاصدها وأهدافها - مساواة لأولئك بهؤلاء، وقد صرح بهذا وزير سابق عندنا - هو الآن يعيش خارج تراب الوطن، فارا بعد أن ملأ حقائبه من عرق ودموع العمال والفلاحين - صرح بهذا لبعض العمال والفلاحين والتجار الصغار لما زاروه في مكتبه وقدموا له ملتمسا فيه بعض ما يشكون منه، وقد رجوه لرفع الحيف عنهم، وإنصافهم ممن ظلمهم، فأجابهم على ملتمسهم قائلا: - حسبما قيل لنا - إننا على علم من معالمكم وظالميكم، أولئك الظالمون الذين تركوكم تمشون حفاة بدون أحذية، وإني أعدكم بأننا سننزلهم إليكم - هكذا قال - ونتركهم يمشون حفاة بدون أحذية مثلكم!!!! هذا ما أفصح به هذا الوزير - وزير الشغل في السابق - فقد أبرز مما في ضميره، وكان العمال المساكين يرجون منه أن يرفعهم إلى منازل الأغنياء حتى تصير لهم أحذية، كما للأغنياء أحذية، فإذا بالأمر يظهر على خلاف ما كان يظن، وهو بقاؤهم أو إبقاؤهم في فقرهم كما كانوا، بل سيزاد إليهم فقراء آخرون، وهم من كان عندهم نصيب من المال يتمعشون منه، ويستعملونه في حركة فيها عمال يعملون، ومنها يتمعشون، فمعنى هذا أيضا تجريدهم مما كان عندهم وحشرهم في زمرة الفقراء والعمال الذين هم - دائما - في حاجة إلى طلب العمل للمعيشة، لتبقى الميادين خالية للحذاق الماهرين في تصريف الأمور (حدث ما قلته في سنة 1964) والعمال والفلاحون غافلون ساهون يعيشون بالأماني الحلوة كـ (الكمون) الذي قيل إنه يمنى بالسقي كلما عطش، حتى لا ييبس، كما جاء في المثل: (عش بالمنى يا كمون)، فهناك فئة تعيش عيشة البذخ والترف - وهي إشتراكية طبعا - تبدد الأموال - بلا حساب - وكل أفراد الأمة يرون ذلك بأعينهم، وتتنقل على ما ارتفع ثمنه من أفخم وأضخم ما أحدثته مصانع السيارات - وهي إشتراكية طبعا أيضا - وتنزل منازل ذوي الثراء الواسع، سواء في الداخل أو في الخارج - باسم الاشتراكية - إلى جانب فئة تعيش عيشة الفقر والحرمان، وهي صابرة، عاملة، ناصبة،
تسقى من عين آنية، ولكنها لم تفقد أملها في المستقبل وسترى ...