غير بصيرة وروية: وبلا تفريق وتمييز بين المفيد وغير المفيد، بل وحتى بين الحسن والقبح، فما هو إلا محاكاة للغير لا أكثر ولا أقل.
لنأخذ مثلا على ذلك، هذا الخلق الذي فقدناه من أوساط الكثيرين منا، هذا الخلق الإسلامي العظيم، هو خلق (الحياء)، فإن لخلق الحياء سلطانا على النفوس المؤمنة. وله تأثير ظاهر في حياة المسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء)) (?).
والحياء في الإنسان - وخاصة المسلم - ينهاه عن فعل كل مرذول قبيح يلام ويذم فاعله، من ترك واجب أو فعل مخالفة، فإذا انعدم هذا الخلق من المسلم فقد ضاع عنه كل خير وصلاح، فيصير لا يبالي بما يفعل من موبقات، أو ما يترك من واجبات، فلا تحدثه نفسه - ولا يوبخه ضميره - بأنه فعل أمرا شنيعا قبيحا، بل ربما زينته له ورغبته فيه وحببته إليه، فلو كان خلق الحياء متمكنا من النفوس لما رأينا المنكرات تفعل علنا، وبدون وازع ولا رادع ولا رقابة ضمير، وانعدام (الحياء) دليل على انعدام الإيمان، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((الحياء من الإيمان)) (?) وفي قوله أيضا: ((الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)) (?).
فقد انعدم هذا الخلق العظيم من الكثيرين منا، فلو قدر العالم موقفه بين يدي مولاه للحساب على علمه ماذا فعل فيه - كما ورد في الحديث - لما توانى فيما يجب عليه، ولما داهن مع المداهنين، وتملق مع المتملقين، وما قيل في العالم يقال في الغني، ويقال في المسؤول الكبير والصغير والذكر والأنثى على السواء، لأن الكل سيمر من ذلك الباب، ويقف ذلك الموقف، وسيتلقى من الأسئلة - التي قد يعجز عن الأجوبة عنها - ما يتمنى معها أن لو كان حجرا ملقى على الأرض تدوسه الأقدام، ولم يتحمل أية مسؤولية.
إن الدافع إلى عدم الاكتراث بالموقف المنتظر - الذي لا شك فيه - هو ما بثه في أوساطنا الملاحدة، من أنه لا حياة بعد هذه الحياة، ولا بعث