فيها الفجار والفساق - ضالتهم المنشودة - وجد كل هؤلاء بغيتهم وما تشتهيه نفوسهم الخبيثة في هذه الشريعة الخبيثة.
فالرجل لا يتعب نفسه في كسب المال والكد من أجل تحصيله، فالناس يتعبون وهو يجد ما يريد من غير تعب، كذلك لا يكلف نفسه نفقة الزوجة والأولاد، بل يكفيه أن يتبع (مزدك) فكل امرأة تعلقت رغبته بها فهي مباحة له حلال عليه - حسب شريعة مزدك - فكانت دعوته إلى شريعته مقبولة عند السفهاء والفساق والفجار، وعند الكسالى والعاطلين، فانتشرت دعوته بسرعة - لأنها شيطانية - وكثر أتباعه كثرة عظيمة، حتى اضطر ملك البلاد (كسرى) كما يلقب الفرس الساسانيون ملوكهم بهذا اللقب - إلى أتباعه خوفا على ضياع كرسيه، واسم كسرى هذا الذي آمن بـ (مزدك) واتبعه فيما دعا إليه: (قباذ بن فيروز) - بضم القاف، وأجبر على اتباعه لأنه بقي في قلة من أهل الشرف والمروءة والأنفة والحمية، ذلك أن مزدك هدده وتوعده بالخلع عن كرسيه وإبعاده عن العرش الكسروي إذا هو لم يؤمن به ويتبع شريعته، فاتبعه، الملك مضطرا، وذلك سنة (488) م وصارت الشريعة المزدكية شريعة الملك - بدخوله فيها وقبوله لها - معترفا بها من قبل القصر الكسروي، فلحق الناس منها عار عظيم لم يمح بقتل مزدك كما سيأتي، بل بقي مكتوبا ومسجلا في التاريخ إلى يوم الناس.
ظهر مما ذكر آنفا أن الأرض التي نبتت فيها هذه الشجرة الخبيثة كانت أرض الفرس - بلاد العجم - وسكانها كانوا وثنيين، لهم معبودات شتى من بيوت النار وغيرها، كما كانت لهم شرائع يدينون بها كشريعة (زرادشت) وغيرها، واستمر عملهم بهذه الشرائع أحقابا طويلة إلى أن أنقذهم الله من وثنيتهم تلك بشريعة الإسلام، شريعة التوحيد الخالص، ففتحت أرضهم ودخلها الإسلام في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا زالت إلى الآن دار إسلام كسائر بلاد الإسلام.
فبعد أن عرفنا شيئا عن هذه النحلة، نرى لزاما علينا أن نأتي هنا بما قاله علماء التاريخ الذين قصوا علينا أخبار هذه الفرقة الضالة، وتتبعوا في جميع مراحلها وأطوارها، كي نزداد بها وبأختها (الاشتراكية) معرفة، ومنها فرارا ويقظة وحذرا.